والخوضُ لا تكادُ العربُ تُطْلِقُهُ إلَاّ على الخوضِ في الباطلِ (١). وأصلُه الخوضُ في الماءِ؛ لأن الخائضَ في الماءِ يتخبطُ فيه بغيرِ انتظامٍ، ليس كالماشِي على الأرضِ.
ثم قال:{أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أَيْ: بَطَلَتْ وَاضْمَحَلَّتْ في الدنيا حيثُ لم يكن مُعْتَدًّا بها عند الله، وكذلك هي باطلةٌ في الآخرةِ، وعكسُ هذا قولُه في إبراهيمَ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)} [العنكبوت: الآية ٢٧].
وقد قَدَّمْنَا انتفاعَ الكفارِ بأعمالِهم فِي الدنيا خاصةً (٢)، وأن ذلك مُقَيَّدٌ بمشيئةِ اللَّهِ كما دَلَّ عليه قولُه:{مَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ}[الإسراء: الآية ١٨].
وقولُه:{حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بَطَلَتْ وَاضْمَحَلَّتْ حتى لَا يظهرَ لها أثرٌ ينتفعون به يومَ القيامةِ. قال بعضُ العلماءِ: أصلُ اشتقاقِ {حَبِطَتْ} من الْحَبَطِ بفتحتينِ، وهو نَبْتٌ في الباديةِ إذا أَكَلَتْهُ الدوابُّ انتفخت بطونُها فماتت (٣)، كانوا يقولون:«حبطت الماشيةُ» إذا أَكَلَتِ الحَبَطَ فَهَلَكَتْ، وصارت العربُ تستعملُه في الهلاكِ حتى كان أغلبُ استعمالِه في هلاكِ الأعمالِ واضمحلالِها وعدمِ الاعتدادِ بها.
(١) انظر: المفردات (مادة: خوض) ص٣٠٢. (٢) راجع كلام الشيخ (رحمه الله) على هذه المسألة في الأضواء (٣/ ٤٩٣)، دفع إيهام الاضطراب ص١٥١، معارج الصعود إلى تفسير سورة هود ص٦٩. (٣) انظر: المفردات (مادة: حبط) ص٢١٦، معارج الصعود إلى تفسير سورة هود ص٧١.