ذَلِكَ هُوَ البَدَاءَ (١) وَالجَهْلَ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الرَّافِضَةِ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: (إِنَّ البَدَاءَ جَائِزٌ عَلَى اللهِ - تَعَالَى -)، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ شَيْئًا ثُمَّ يَظْهَرَ لَهُ خِلَافُ مَا اعْتَقَدَهُ - تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ -، فَتَأَمَّلْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾؛ أَيْ: أَصْلُ الكِتَابِ؛ لأَنَّ الأُمَّ أَصْلُ الشَّيْءِ، وَالعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَا يَجْرِي مَجْرَى الأَصْلِ لِلشَّيْءِ أُمًّا لَهُ، وَمِنْهُ: (أُمُّ الرَّأْسِ) لِلدِّمَاغِ، وَ (أُمُّ القُرَى) لِمَكَّةَ، وَكُلُّ مَدِينَةٍ فَهِيَ أُمٌّ لِمَا حَوْلَهَا مِنَ القُرَى، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ: (كَانَ) أُمُّ النَّوَاسِخِ (٢)، وَ (أَنْ) المَصْدَرِيَّةُ أُمُّ النَّوَاصِبِ (٣) - وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُهِمٍّ -.
وَاخْتُلِفَ فِي (أُمِّ الكِتَابِ) - هُنَا -:
فَقِيلَ: أُمُّ الكِتَابِ: اللَّوْحُ المَحْفُوظُ الَّذِي لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ، حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ يَجْرِي فِيهِ التَّبْدِيلُ.
وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْتَ رَدَّهُ بِمَا مَرَّ؛ فَفِي «تَفْسِيرِ الخَازِنِ»: «وَسُمِّيَ اللَّوْحُ
(١) (البَدَاءُ): بِفَتْحِ البَاءِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ فِي «النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الحَدِيثِ» (١/ ١٠٩): «وَ (البَدَاءُ): اسْتِصْوَابُ شَيْءٍ عُلِمَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يُعْلَمْ، وَذَلِكَ عَلَى اللهِ ﷿ غَيْرُ جَائِزٍ».(٢) وُصِفَتْ بِذَلِكَ لأَنَّهَا تَخْتَصُّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَخَوَاتِهَا بِخَصَائِصَ يَطُولُ سَرْدُهَا - هُنَا - فِي غَيْرِ مَقَامِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا أَهْلُ النَّحْوِ فِي كُتُبِهِمْ، فَانْظُرْهَا - لِمَزِيدِ بَيَانٍ -.(٣) وُصِفَتْ بِذَلِكَ لأَنَّهَا تَعْمَلُ ظَاهِرَةً وَمُقَدَّرَةً، بِخِلَاف النَّواصِبِ الأُخْرَى الَّتِي لَا تَعْمَلُ إِلَّا ظَاهِرَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute