وكان هدف الحسن بن علي - رضي الله عنه - من مصالحة معاوية حقن دماء المسلمين، لعلمه أنه لا تغلب طائفةٌ الأخرى حتى تذهب أكثرها (٢)، وهذا ما قاله لما تم الصلح بشروطه، فقد برز الحسن - رضي الله عنه - بين الصفين وقال: إني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية، فإن كان لي فقد تركته لله وإن كان له فما ينبغي أن أنازعه ثم قرأ:{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} الأنبياء /١١١، وكبر الناس فرحاً واختلطوا من ساعتهم وسُمِّيت سنة الجماعة وتمت الخلافة لمعاوية - رضي الله عنه - من يومئذ (٣). وكان يقول بعد ذلك:«قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -»(٤).
وكان خلع الحسن - رضي الله عنه - نفسه من الولاية وتسليم الأمر لمعاوية - رضي الله عنه - في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين (٥) , وقيل في جمادى الأولى (٦) , فكانت خلافته خمسة أشهر ونحو نصف شهر وقيل سبعة أشهر وعشراً، وكان في خلعه نفسه وتسليم الأمر لمعاوية - رضي الله عنه - ظهور معجزتين للنبي - صلى الله عليه وسلم - إحداهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حقه:«ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»(٧) فكان الأمر كذلك , والثانية: أنه حسب يوم تسليمه فكان تمام ثلاثين سنة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«الْخِلافَةُ فِي أُمَّتي ثَلاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ»(٨).
(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص ١٩٣. (٢) سير أعلام النبلاء للذهبي: ٣/ ٢٧٧. وانظر فقه الخلافة للسنهوري: ص ٢٦٣. (٣) شذرات الذهب لابن العماد: ١/ ٥٢. فيض القدير للمناوي: ٢/ ٤٠٩. (٤) حلية الأولياء للأصبهاني: ٢/ ٣٧. (٥) ممن ذكر ذلك ابنُ حبان في صحيحه: ١٥/ ٣٨. قال: سلمَّ الحسنُ الأمر إلى معاوية يوم الاثنين لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول، وسميت هذه السنة سنة الجماعة. وانظر سير أعلام النبلاء للذهبي: ٣/ ١٤٦. (٦) انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: ٣/ ٢٧٨. تاريخ الطبري: ٣/ ٢٦١. (٧) رواه عن أبي بكرة كل من: البخاري في صحيحه: ٢/ ٩٦٢ كتاب الصلح، باب قول النبي للحسن بن علي «ابني هذا سيد» رقم (٢٥٥٧). والترمذي في سننه: ٥/ ٦٥٨ كتاب المناقب، باب مناقب الحسن والحسين رقم (٣٧٧٣). والنسائي في سننه: ٣/ ١٠٧ كتاب الجمعة، باب مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر رقم (١٤١٠) عن أبي بكرة. وأبو داود في سننه: ٤/ ٢١٦ كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة، رقم (٤٦٦٢). وأحمد في مسنده: ٣٤/ ١٣٨ في مسند البصريين رقم (٢٠٤٩٩) قال المحقق: حديث صحيح. (٨) مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٠٨. والحديث سبق تخريجه في ص (٢٠) حاشية (٤).