ولم تنقل إلينا كتب السنة إلا النزر اليسير عما دار بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومما نقل في ذلك ما ذكره ابن جرير في تفسيره أنه جاء راهبا نجران إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعرض عليهما الإسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك. فقال:((كذبتما. إنه يمنعكما عن الإسلام ثلاثة: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم لله ولد)).
قال: من أبو عيسى؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يعجل حتى يأتي أمر ربه، فأنزل الله تعالى:{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}(آل عمران: ٥٩). (١)
وذكر الطبري بإسناده أيضاً أن نصارى نجران قالوا:" ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ قال: بلى. قالوا: فحسبنا. فأنزل الله عز وجل:{فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}(آل عمران: ٧). (٢)
لكن الذي يثير الانتباه في زيارة وفد نصارى نجران ما نقله الطبري من اجتماع النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم في حضور وفد من يهود المدينة، فقد روى بإسناده إلى ابن عباس أنه "اجتمعت نصارى نجران وأحبار اليهود عند رسول الله، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهودياً. وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانياً. فأنزل الله:{ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً}(آل عمران: ٦٧). (٣)
وحين رجع وفد نجران إلى بلاده لم ينقطع حوارهم مع المسلمين، ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل معهم المغيرة بن شعبة، فكانوا يحاورونه ويطرحون عليه الأسئلة عن القرآن، ومن ذلك أنه أشكل عليهم مؤاخاة القرآن بين مريم وهارون، وبينهما زمن مديد، فقالوا للمغيرة:"ألستم تقرؤون: {يا أخت هارون}(مريم: ٢٨)، وقد علمتم ما بين موسى وعيسى ... ". (٤)
(١) رواه ابن جرير في تفسيره (٣/ ١٦٣)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (٢/ ٢٥٨). (٢) رواه الطبري في تفسيره (٣/ ١٧٧). (٣) رواه الطبري في تفسيره (٣/ ٣٠٥). (٤) رواه مسلم ح (٢١٣٥)، وسيأتي بيانه.