*أيضًا من المسائل التي تأثر فيها الإمام ابن جماعة بالإمام الرازي:
الفرق بين قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}(١)، وقوله تعالى {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(٢).
قال الإمام ابن جماعة: «قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}(٣)، وقال في الرعد:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(٤)؟
جوابه: أن المراد "بالذكر" ذكر عظمة الله وجلاله، وشدة انتقامه ممن عصى أمره لأن الآية عند اختلاف الصحابة في غنائم بدر، فناسب ذكر التخويف.
وآية الرعد: نزلت فيمن هداه الله وأناب إليه، والمراد بذلك الذكر: ذكر رحمته وعفوه ولطفه لمن أطاعه وأناب إليه.
وجُمع بينهما في آية الزمر فقال تعالى:{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}(٥) أي: عند ذكر عظمته وجلاله وعقابه، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر رحمته وعفوه وكرمه» (٦).
وقال الإمام الرازي: «فإن قيل: إنه تعالى قال هاهنا: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}(٧)، وقال في آية أخرى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} فكيف الجمع بينهما؟ وأيضا قال في آية أخرى:{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} قلنا: الاطمئنان إنما يكون عن ثلج اليقين، وشرح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل إنما يكون من خوف العقوبة، ولا منافاة بين هاتين الحالتين، بل نقول: هذان الوصفان اجتمعا في آية واحدة، وهي قوله تعالى: تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله والمعنى: تقشعر الجلود من خوف عذاب الله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند رجاء ثواب الله» (٨).
(١) سورة الأنفال، الآية: (٢). (٢) سورة الرعد، الآية: (٢٨). نوع المتشابه في هذه المسألة: متشابه بإبدال جملة بجملة. (٣) سورة الأنفال، الآية: (٢). (٤) سورة الرعد، الآية: (٢٨). نوع المتشابه في هذه المسألة: متشابه بإبدال جملة بجملة. (٥) سورة الزمر، الآية: (٢٣). (٦) كشف المعاني في المتشابه من المثاني، (ص: ١٨٩ - ١٩٠). (٧) سورة الأنفال، الآية: (٢). (٨) التفسير الكبير، (١٥/ ١٢٢).