قال الإمام الرازي: «إنما قال في هذه السورة: {بَلَدًا آمِنًا}(١)، على التنكير وقال في سورة إبراهيم:{هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}(٢)، على التعريف لوجهين:
(الأول): أن الدعوة الأولى وقعت ولم يكن المكان قد جعل بلدًا، كأنه قال: اجعل هذا الوادي بلدًا أمنًا لأنه تعالى حكى عنه أنه قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}(٣) فقال: ههنا اجعل هذا الوادي بلدًا أمنًا. والدعوة الثانية وقعت وقد جعل بلدًا، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي الذي صيرته بلدًا ذا أمن وسلامة، كقولك: جعلت هذا الرجل آمنًا.
(الثاني): أن تكون الدعوتان وقعتا بعدما صار المكان بلدًا، فقوله:{اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} تقديره: اجعل هذا البلد بلدًا آمنا، كقولك: كان اليوم يومًا حارًا، وهذا إنما تذكره للمبالغة في وصفه بالحرارة، لأن التنكير يدل على المبالغة، فقوله:{رب اجعل هذا بلدًا أمنًا} معناه: اجعله من البلدان الكاملة في الأمن، وإما قوله:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} فليس فيه إلا طلب الأمن لا طلب المبالغة» (٤).
وقال الإمام الإسكافي في درة التنزيل: «قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا}(٥)، وقال في سورة إبراهيم:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}(٦).
لسائل أن يسأل فيقول: لم كان في سورة البقرة بلدا نكرة، وفي سورة ابراهيم معرفة؟
والجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أن يقال: إن الدعوة الأولى وقعت، ولم يكن المكان قد جعل بلدا، فكأنه قال: رب اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، لأن الله تعالى حكى عنه أنه قال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}[إبراهيم: ٣٧] بعد قوله: اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، ووجه الكلام فيه: تنكير بلد الذي هو مفعول ثان، وهذا مفعول أول. والدعوة الثانية وقعت وقد جعل الوادي
(١) سورة البقرة، الآية: (١٢٦). (٢) سورة إبراهيم، الآية: (٣٥). (٣) سورة إبراهيم، الآية: (٣٧). (٤) التفسير الكبير (٤/ ٦٠). (٥) سورة البقرة، الآية: (١٢٦). (٦) سورة إبراهيم، الآية: (٣٥).