وقال الإمام الألوسي:«فقال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ} بالوأد {خشية إملاق}[الإسراء: ٣١] من أجل فقر أو من خشيته كما في قوله سبحانه: {خَشْيَةَ إملاق} وقيل: الخطاب في كل آية لصنف وليس خطاباً واحداً فالمخاطب بقوله سبحانه: {مّنْ إملاق} من ابتلي بالفقر وبقوله تعالى: {خَشْيَةَ إملاق} من لا فقر له ولكن يخشى وقوعه في المستقبل، ولهذا قدم رزقهم ههنا في قوله عز وجل {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقدم رزق أولادهم في مقام الخشية فقيل: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} وهو كلام حسن»(١).
بعرض رأي الإمامين يتضح أن الإمام الألوسي ذكر رأي الإمام الرازي، ثم ذكر قول آخر بصيغة (قيل) وقال: وهو كلام حسن، وقد اتفق جميع علماء المتشابه اللفظي مع القول الذي استحسنه الإمام الألوسي (٢).
١١ - اختلف الإمامان في توجيه الفرق بين إبدال تذييل قوله تعالى:{وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(٣) بقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}(٤).
حيث قال الإمام الرازي:«اعلم أنه تعالى قال في سورة إبراهيم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} وقال هاهنا: {إن الله لغفور رحيم} والمعنى: أنه لما بين أن الإنسان لا يمكنه القيام بأداء الشكر على سبيل التفصيل: قال: {إن الله لغفور رحيم} أي غفور للتقصير الصادر عنكم في القيام بشكر نعمه، رحيم بكم حيث لم يقطع نعمه عليكم بسبب تقصيركم»(٥).
وقال الإمام الألوسي: «وفي النحل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وفرق أبو حيان بين الختمين بأنه هنا لما تقدم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَتَ الله كُفْرًا}
(١) روح المعاني، (٤/ ٢٩٧). (٢) يُنظر نص المسألة في كتب المتشابه اللفظي: درة التنزيل، (٢/ ٥٦١ - ٥٦٣)، ملاك التأويل (١/ ٤٧٨ - ٤٨٠)، البرهان في توجيه متشابه القرآن (ص: ٥٥)، كشف المعاني في المتشابه من المثاني (ص: ١٦٩)، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس من القرآن (ص: ١٨٠ - ١٨١). (٣) سورة إبراهيم، الآية: (٣٤). (٤) سورة النحل، الآية: (١٨). (٥) التفسير الكبير، (٢٠/ ١٥).