وَنِزَاعِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَجِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُوَافِقٌ لَهُ لَا مُخَالِفٌ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَدِلُّ بِالْإِجْمَاعِ مُتَّبِعًا لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الرَّدِّ إِلَيْهِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ١٠٣] أَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الِافْتِرَاقِ فَلَوْ كَانَ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ قَدْ يَكُونُونَ مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَارَةً وَعَاصِينَ لَهُ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ اجْتِمَاعًا عَلَى طَاعَةٍ؛ وَاللَّهُ أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا ; وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ إِذَا كَانَ مَعَهُ طَاعَةٌ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَنَوْعٌ يَعْصِيهِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُطِيعِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فُرْقَةٌ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: ٥٥] فَجَعَلَ مُوَالَاتَهُمْ كَمُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمُوَالَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِطَاعَةِ أَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ لَا تَتِمُّ مُوَالَاتُهُمْ إِلَّا بِطَاعَةِ أَمْرِهِمْ؛ وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ أَمْرًا مُتَّفَقًا؛ فَإِنْ أَمَرَ بَعْضَهُمْ بِشَيْءٍ وَأَمَرَ آخَرَ (١) بِضِدِّهِ لَمْ يَكُنْ مُوَالَاةُ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ مُوَالَاةِ هَذَا، فَكَانَتِ الْمُوَالَاةُ فِي حَالِ النِّزَاعِ بِالرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.
وَأَيْضًا فَقَدَ (٢) ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ
(١) م: الْآخَرَ(٢) ن، س، ب: قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute