ولا بد من وجود سبب دعاه لذلك، وقد ذكر هذا الحدث البلاذري في الفتوح مفصلًا وذكر السبب، فقال (قالوا: كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر ويأتي العرب من قبل الروم الدنانير. فكان عبد الملك بن مروان أول من أحدث الكتاب الّذي يكتب فى رءوس الطوامير من {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (١)، وغيرها من ذكر اللّه، فكتب إليه ملك الروم إنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابًا نكرهه، فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه. قال: فكبر ذلك في صدر عبد الملك فكره أن يدع سنة حسنة سنها، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية، فقال له: يا أبا هاشم إحدى بنات طبق (٢) وأخبره الخبر، فقال: افرخ روعك (٣) يا أمير المؤمنين، حَرِّمْ دنانيرهم فلا يتعامل بها، واضرب للناس سككًا (٤)، ولا تعف هؤلاء الكفرة مما كرهوا في الطوامير (٥). فقال عبد الملك: فرجتها عني فرَّج اللّه عنك، وضرب الدنانير) (٦).
وقد اختُلِفَ في السنة التي ضرب فيها الدراهم وفي من ضربها ويبدو أنها على مراحل؛ حيث ذكر البلاذري: (أن عبد الملك أول من ضرب الذهب عام الجماعة سنة أربع وسبعين، قال أبو الحسن المدائني: ضرب الحجاج الدراهم آخر سنة خمس وسبعين، ثمّ أمر بضربها في جميع النواحي سنة ست
(١) سورة الإخلاص الآية: ١. (٢) إحدى بنات طبق: وبنات طبق هي الدواهي، وإحدى بنات طبق يروى أن أصلها الحية؛ لأنها استدارت حتى صارت مثل: الطبق، ويقال: إحدى بنات طبق: طبق شرك على رأسك، تقول ذلك للرجل إذا رأى ما يكرهه. ابن سيده: المحكم والمحيط الأعظم ٦/ ٢٩٣. (٣) أفرخ روعك: ليذهب عنك رعبك وفزعك، فإن الأمر ليس على ما تحاذره. الزبيدي: تاج العروس ٢١/ ١٣٢. (٤) السك: هو الضرب والسبك والطبع. أحمد مختار: معجم اللغة ٢/ ١٠٨٦ (٥) الطوامير: واحدها طومار وهو الصحيفة. ابن منظور: لسان العرب ٤/ ٥٠٣. (٦) فتوح البلدان ٢٣٨، ابن قتيبة: عيون الأخبار ٤/ ٢٩٦، العسكري الأوائل ٢٥٤.