إلى العاقل «استعمل من» وأتبعه بذكر غير العاقل، وهذا يسمى: عطف غير العاقل على العاقل، كما في هذه الآية (١٨) من سورة الحج، وكما رأينا في سورة الرّعد الآية (١٥) حين قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾، عطف على من (للعاقل) ظلالهم وهي لغير العاقل.
﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾: يسجد أو يصلي حسب قدرته قائماً أو قاعداً أو على جنبه، وقد يسجد ويشير بعينيه أو أصبعه. وكثير من النّاس: تعني الّذين يسجدون عددهم كثير أو هم كثيرو العدد، ولم يقل أكثر النّاس، إذن هم كثير ولكن ليسوا هم الأكثر؛ الأكثر تعني: أكثر عدداً من كثير، وهؤلاء دخلوا فيمن ذكرهم تعالى في قوله:(ومن في الأرض) وكرر ذكرهم؛ لأنّ السّجود الأوّل يختلف عن السّجود الثّاني، السّجود الأوّل هو سجود اختيار وطاعة كسجود الصّلاة وسجود الشّكر، وسجود السّهو وسجود التّلاوة، والسّجود الآخر (الثاني) هو سجود خضوع وذل، وتسخير وبدون اختيار.
قال سبحانه: وكثير من النّاس يسجد سجود خضوع وذل، مقارنة بالقلة من النّاس الّذين يسجدون سجود طاعة، وذكرهم في مطلع الآية.
﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾: أي: هؤلاء الّذين لا يسجدون سجود طاعة، إنما سجود خضوع وذل وليس خضوع إرادة، وهم الكفار والمشركون والملحدون والعاصون، فهؤلاء هم كثرة وهم الّذين حق عليهم العذاب؛ أي: واجب عليهم العذاب.
وقليل من النّاس وهم الّذين سجدوا لله طوعاً، وبإرادتهم ففازوا بالجنة ونجوا من العذاب.