تمت مساواة أنواع البديع به ... لكن يزيد على ما في بديعهم
هذا النوع -أعني: المساواة- مما فرعه قدامة من ائتلاف اللفظ مع المعنى، وشرحه بأن قال: هو أن يكون اللفظ مساويًا للمعنى، بحيث لا يزيد عليه ولا ينقص عنه، وهذا من البلاغة التي وصف بها بعض الوصاف بعض البلغاء فقال: كأن ألفاظه قوالب لمعانيه، ومعظم آيات الكتاب العزيز كذلك.
واعلم أن البلاغة قسمان: إيجاز وإطناب، والمساواة معتبرة في القسمين معًا. فأما الإيجاز فكقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} ١. والإطناب في هذا المعنى كقوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} ٢. وقال سبحانه وتعالى، في قسم الإيجاز من غير هذا المعنى:{خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ٣. وقال عز من قائل، في الإطناب:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} ٤. الآية.
ولا بد من الإتيان بهذا الفصل، لئلا يتوهم المتأمل أن الإطناب لا يوصف بالمساواة. ومن الشواهد على المساواة قول امرئ القيس:
فإن تكتموا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد