قال أبو الفتح: هذا حذف على غير قياس، ومثله قراءة ابن كثير:"إنها لَحْدَى الكُبَر"١، وقد ذكرنا نحوه، وهو ضعيف القياس، والشعر أَوْلَى به من القرآن.
ومن ذلك قراءة مسلمة٢ بن محارب:"وإذ يعِدْكُمُ الله"٣ بإسكان الدال.
قال أبو الفتح: أسكن ذلك لتوالي الحركات وثقل الضمة، وقد ذكرنا قبله مثله.
ومن ذلك قراءة رجل من أهل مكة، زعم الخليل أنه سمعه يقرأ:"مُرَدِّفين"٤، واختلفت الرواية عن الخليل في هذا الحرف، فقال بعضهم:"مُرُدِّفين"، وقال آخر:"مُرِدِّفين".
قال أبو الفتح: أصله "مُرْتَدِفين" مفتعلين من الرَّدْف٥، فآثر إدغام التاء في الدال، فأسكنها وأدغمها في الدال، فلما التقى ساكنان -وهما الراء والدال- حرك الراء لالتقاء الساكنين، فتارة ضمها إتباعًا لضمة الميم، وأخرى كسرها إتباعًا لكسرة الدال.
ومثله {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ} ٦، ومن كسر الراء فلالتقاء الساكنين، وعليه جاء:{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ} ، ويجوز فيهما أن تُنقل حركة الحرف الساكن على الساكن قبله فيقول:"مُرَدِّفِين"، "وَجَاءَ الْمُعَذِّرُون" مُفَعِّلين من الاعتذار، على قولهم: عذَّر في الحاجة: أي قصَّر، وأعذر: تقدم.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن:"أَمْنَةً نُعَاسًا"٧ بسكون الميم.
١ سورة المدثر: ٣٥. ٢ هو مسلمة بن عبد الله بن محارب، أبو عبد الله الفهري البصري النحوي، له اختيار في القراءة. قال ابن الجزري: لا أعلم على مَن قرأ، وقرأ عليه شهاب بن شرنفة. وكان مع ابن أبي إسحاق، وأبي عمرو بن العلاء. وكان من العلماء بالعربية. طبقات القراء لابن الجزري: ٢/ ٢٩٨. ٣ سورة الأنفال: ٧، ٩، ١١. ٤ سورة الأنفال: ٩. ٥ مصدر ردفة كسمع ونصر؛ أي تبعه، والرِّدف بالكسر: الراكب خلف الراكب كالمرتدف. ٦ سورة التوبة: ٩٠. ٧ الآية: ١٥٤ في سورة آل عمران، وأما آية الأنفال: ١١ فهي: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} ، وابن محيصن يقرأ بسكون الميم في الآيتين. البحر: ٣/ ٨٥، ٤/ ٤٦٨.