فيجب على كل من وليَ شيئاً من أمر المسلمين، أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع: أصلح من يقدر عليه؛ ولا يقدِّم الرجل لكونه طلب الولاية أو سَبَقَ في الطلب، بل ذلك سبب المنع. فقد جاء في الصحيحين: البخاري ومسلم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّ قوماً دخلوا عليه فسألوه ولاية، فقال: إنَّا لا نولي أمرنا هذا من طلبه".
إن اختيار القائد المناسب للقيادة المناسبة، أمانة في أعناق المسؤولين، وصدق الله العظيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[سورة الأنفال ٨: ٢٧].
وقد دلَّت سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن الولاية أمانة يجب أداؤها، مثل قوله لأبي ذر حين سأله أن يولّيه منصباً من المناصب:"إنها أمانة، وإنه يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها"(١).
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا ضُيِّعت الأمانة، انتظر الساعة"، قيل: يا رسول الله، وما إضاعتها؟ قال: "إذا وُسِّد (٢) الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
والذي يدهش حقّاً في أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، هو حرصه الشديد على إبراز نموذج رفيع لتفكير:(رجل الدول) حسب الاصطلاحات الحديثة، فقد كان عليه أفضل الصلاة والتسليم:(رجل الدولة) بكل ما يعنيه هذا التعبير.
(١) رواه مسلم. (٢) وسِّد الأمر إلى فلان: أسند إليه القيام بتصريفه.