وكان أبو عبيدة - رضي الله عنه -، لا يكترث بالمناصب، كما كان لا يكترث بالمال، فقد أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف درهم وأربعمئة دينار وقال لرسوله:"انظر ما يصنع"! فقسّمها أبو عبيدة بين الناس، فلما أخبر عمرَ رسولُه بما صنع أبو عبيدة قال:"الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا"(٢).
ولما قدم عمر الشام، تلقاه أمراء الأجناد وعظماء أهل الأرض، فقال عمر:"أين أخي"! فقالوا: مَنْ؟ قال:"أبو عبيدة"، قالوا: يأتيك الآن! وجاء أبو عبيدة على ناقة مخطومة بحبلٍ، فسلّم عليه، فقال عمر للناس:"انصرفوا عنا". وسار مع أبي عبيدة حتى أتى منزله فنزل عليه، فلم يرَ في بيته إلا سيفه وترسه، فقال عمر:"لو اتخذت متاعاً - أو قال: شيئاً"، فقال:"يا أمير المؤمنين!! إن هذا سيبلغنا المقيل"(٣). وفي رواية أن عمر قال:"اذهب بنا إلى منزلك يا أبا عبيدة"، فقال له:"وما تصنع عندي يا أمير المؤمنين؟! ما تريد إلا أن تعصر عينيك عليّ". ودخل عمر بيت أبي عبيدة، فلم يرَ في البيت شيئاً، فقال:"وأين متاعك؟! لا أرى إلا لبداً وصفحة وشناً (٤) وأنت أمير! أعندك طعام"؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة (٥)، فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال أبو عبيدة: "قلت لك أنك ستعصر عينيك عليّ يا أمير المؤمنين ... !
(١) اليعقوبي ٢/ ١١٧. (٢) طبقات ابن سعد ٤/ ٤١٣. (٣) المقيل: النوم عند الظهيرة، ويقصد به: الموت. (٤) الشن: القربة الخلق. (٥) الجونة: السلة المستديرة.