ومرّ الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام يوم (بدر) يعدل صفوف رجاله، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار، فطعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقدح (١) الذي كان بيده في بطن سواد وقال: "استو يا سواد"! فقال: "يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، فَأَقِدْني"! فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بطنه وقال:"اسْتَقِدْ" فاعتنقه وقبَّل بطنه، فقال:"ما حملك على هذا يا سواد"؟! قال:"يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك"(٢).
وحرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القتال بقوله:"والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة"، فقال عمير بن الحمام - وكانت بيده تمرات يأكلهن:"بَخْ ... بَخْ ... أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء"؟! ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل.
واستصغر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمير بن أبي وقاص الزهري لما أراد المسير إلى (بدر)، فبكى عمير، فأجازه. وكان سيف عمير طويلاً، فعقد عليه حمائل سيفه أخوه سعد بن أبي وقاص. قال سعد:"رأيت أخي عميراً قبل أن يعرضنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي!! فقال: أخاف أن يستصغرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أحب الخروج، لعل الله أن يرزقني الشهادة"، فرُزق ما تمنى، إذ مات شهيداً (٣).
(١) القدح: قطعة من الخشب تعرّض قليلاً وتسوّى، وتكون في طول الفتر أو دونه. وتخط فيه حزوز تميز كل قدح بعدد من الحزوز. (٢) عيون الأثر، ١/ ٢٥٥. (٣) أسد الغابة، ٤/ ١٤٨.