يُؤْمِنُونَ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَقَالُواْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَجِىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) . فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ (فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ أَنَّى لَهُمْ نَفْعُ ذِكْرَاهُمْ.
وَالذِّكْرَى اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاتِّعَاظِ الْحَامِل على الْإِيمَان] (١) .
[قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ) بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْكَفَّارَ، إِذَا عَايَنُوا الْحَقِيقَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقِرُّونَ بِأَن الرُّسُل جَاءَت بِالْحَقِّ ... وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ اعْتِرَافَهُمْ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: (قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) لَا يَنْفَعُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ) ، وَقَوْلِهِ: (قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ] (٢) .
وَقد أحَال صَاحب التَّتِمَّة على هَذَا الْكَلَام للشَّيْخ - رَحمَه الله - ثمَّ قَالَ: [وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ اعْتِرَافَهُمْ وَإِيمَانَهُمْ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَانِ بِالْمُعَايَنَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَقِّ فِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، فَقِيلَ لَهُ: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) .
وَجَاءَ أَصْرَحَ مَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً
(١) - ٧/٤٢٦ - ٤٢٧، مُحَمَّد/ ١٨.(٢) - ٢/٢٧٠: ٢٧٢، الْأَعْرَاف / ٥٣، وَانْظُر (٦/٦٢٨، سبأ / ٥٢) ، (٤/٣٠١: ٣٠٣، مَرْيَم / ٣٨) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute