وَقَدْ أَوْضَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَعْنى الَّذِي بَيْننَا فِي الْحَدِيثِ لَمَّا سَأَلَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} كَيْفَ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا؟ وَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَاتَّبَعُوهُمْ، وَبِذَلِكَ الِاتِّبَاعِ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا» (١) .
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذَا أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا أَحَلُّوا شَيْئًا، يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ وَحَرَّمُوا شَيْئًا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّهُ، فَإِنَّهُمْ يَزْدَادُونَ كُفْرًا جَدِيدًا بِذَلِكَ، مَعَ كُفْرِهِمُ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} .
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَطَاعَ غَيْرَ اللَّهِ، فِي تَشْرِيعٍ مُخَالِفٍ لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ، فَقَدْ أَشْرَكَ بِهِ مَعَ اللَّهِ كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} فَسَمَّاهُمْ شُرَكَاءَ لَمَّا أَطَاعُوهُمْ فِي قَتْلِ الْأَوْلَادِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} فَقَدْ سَمَّى تَعَالَى الَّذِينَ يُشَرِّعُونَ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ شُرَكَاءَ، وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا، أَنَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنِ الشَّيْطَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ لِلَّذِينِ كَانُوا يُشْرِكُونَ بِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون مِنْ قَبْلُ، أَنَّ ذَلِكَ الْإِشْرَاكَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُ: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى} ، وَهُوَ وَاضح كَمَا ترى.] (٢) .
(١) - سبق تَخْرِيجه آنِفا.(٢) - ٧/١٦٢: ١٧٣، الشورى/١٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute