النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَّا يُجْعَلَ فِي الْمَسْجِدِ أَشَدَّ الْمُنَازَلَةِ فَأَبَى وَقَالَ: كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَا بُدَّ مِنْ إِنْفَاذِهِ. قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاجْعَلْ لَهُ جُؤْجُؤًا. أَيْ وَهُوَ الْمَوْضِعُ لِنَزُورَ خَلْفَ الْحُجْرَةِ اهـ (١) .
فَهَذِهِ مُنَازَلَةٌ فِي مَوْضُوعِ الْحُجْرَةِ وَالْمَسْجِدِ وَهَذَا جَوَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَقَدْ آلَتْ إِلَيْهِ الْخِلَافَةُ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ الْخَامِسُ، وَقَدْ أَقَرَّ هَذَا الْوَضْعَ لَمَّا اتُّخِذَتْ تِلْكَ الِاحْتِيَاطَاتُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ قِبْلَةً لِلْمُصَلِّينَ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ الْأُولَى، وَمَشْهَدٍ مِنْ أَكَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّا لَا يَدَعُ لِأَحَدٍ مَجَالًا لِاعْتِرَاضٍ أَوِ احْتِجَاجٍ أَوِ اسْتِدْلَالٍ، وَقَدْ بُحِثَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فِي كُلِّ عَصْرٍ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: بَالَغَ الْمُسْلِمُونَ فِي سَدِّ الذَّرِيعَةِ فِي قَبْرِ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعلوا حيطان ترتبه، وَسَدُّوا الْمَدْخَلَ إِلَيْهَا، وَجَعَلُوهَا مُحْدِقَةً بِقَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَافُوا أَنْ يُتَّخَذَ مَوْضِعُ قَبْرِهِ قِبْلَةً إِذَا كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْمُصَلِّينَ، فَتُصَوَّرُ الصَّلَاةُ إِلَيْهِ بِصُورَةِ الْعِبَادَةِ، فَبَنَوْا جِدَارَيْنِ مِنْ رُكْنَيِ الْقَبْرِ الشَّمَالِيَّيْنِ وَحَرَّفُوهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا عَلَى زَاوِيَةٍ مُثَلَّثَةٍ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّمَالِ، حَتَّى لَا يتَمَكَّن أحد من اسْتِقْبَال قَبره اهـ. مِنْ فَتْحِ الْمَجِيدِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ هَذَا الْعَمَلَ الَّذِي اتُّخِذَ حِيَالَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ إِنَّمَا هُوَ اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» (٢) كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي نونيته، وَهُوَ من أَشد النَّاس إنكاراً على شُبُهَات الشّرك كشيخه ابْن تَيْمِية رحمهمَا الله تَعَالَى قَالَ:
(١) - لم أَقف عَلَيْهِ، وَظَاهر هَذَا الْإِسْنَاد الضعْف.(٢) - أخرجه أَحْمَدُ (٢/٢٤٦) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِدُونِ قَوْله: (يعبد) ، وَقَالَ الأرناؤوط: إِسْنَاده قوي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute