للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةِ مَعَ سُقُوطِ فَرْضِ الطَّلَبِ, ثَبَتَ أَنَّ سُقُوطَ فَرْضِ الطَّلَبِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِجَوَازِ تَرْكِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ. وَأَيْضًا قَدْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَوْ اعْتَدَّتْ شَهْرًا ثُمَّ حَاضَتْ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى الْحَيْضِ لِأَنَّ الشُّهُورَ بَدَلٌ مِنْ الْحَيْضِ; وَإِنَّمَا تَكُونُ عِدَّةً عِنْدَ عَدَمِهِ, كَمَا أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهُورٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ; فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِوَاءِ حَالِهِمَا قَبْلَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَبَعْدَهُ فِي كَوْنِ الْحَيْضِ عِدَّةً عِنْدَ وُجُودِهِ, وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ وُجُودِ الْمَاءِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَقَبْلَهُ. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ التَّيَمُّمُ بَدَلًا مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْقَى حُكْمُهُ مَعَ وُجُودِ الْمُبْدَلِ عَنْهُ, كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ أَنَّ مُتَمَتِّعًا وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَبَعْدَ الْإِحْلَالِ, جَازَ لَهُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ مَعَ وجود الأصل.

فإن قِيلَ لَهُ: الثَّلَاثَةُ بَدَلٌ مِنْ الْهَدْيِ لِأَنَّ بِهَا يَقَعُ الْإِحْلَالُ, وَلَيْسَتْ السَّبْعَةُ بَدَلًا مِنْ الْهَدْيِ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ يَكُونُ قَبْلَ السَّبْعَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَتْ حَالُ الصَّلَاةِ حَالًا لِلطَّهَارَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ. قِيلَ لَهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَسْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ, وَأَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُسْتَحَاضَةَ الْوُضُوءُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ فِي الصَّلَاةِ, وَأَنْ لَا تَلْزَمَهَا الطَّهَارَةُ لَوْ أَحْدَثَ فِيهَا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد رِيحًا" ; قِيلَ لَهُ: لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً بَلْ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ بِهِ, وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: "إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ فَلَا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" , وَقَالَ: "إنَّ الشَّيْطَانَ يُخَيِّلُ إلَى أَحَدِكُمْ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ, فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" , وَقَالَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: "لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ". فَأَمَّا ابْتِدَاءُ قَوْلٍ مِنْهُ: "فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي الشَّاكِّ فِي الْحَدَثِ, فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ نَجْعَلَهُ فِي غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَشُكَّ وَوَجَدَ الْمَاءَ. وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: "لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ" يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ إيجَابَ الْوُضُوءِ بِوُجُودِ الْمَاءِ, لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي عَنْهُ وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ بَاقٍ لَمْ يرتفع بالتيمم.

<<  <  ج: ص:  >  >>