الْوَقْتُ تَوَضَّأَتْ لِحَدَثٍ وُجِدَ بَعْدَ طَهَارَتِهَا; وَلَمْ يُوجَدْ فِي التَّيَمُّمِ حَدَثٌ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ, فَطَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ, فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: "إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَتَوَضَّأَ وَاسْتَقْبَلَ". وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: "يَمْضِي فِيهَا وَتُجْزِيهِ". وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوُضُوءُ وَصَلَّى بِتَيَمُّمِهِ", وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ, وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً} فَأَوْجَبَ غَسْلَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ, ثُمَّ نَقَلَهُ إلَى التُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِهِ, فَمَتَى وَجَدَ الْمَاءَ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِاسْتِعْمَالِهِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَعَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ تَقْتَضِي وُجُوبَ الْغَسْلِ بَعْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ, فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ فِيهَا مَانِعًا مِنْ لُزُومِ اسْتِعْمَالِهِ. وَأَيْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ فِي فَرْضِ الْغَسْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ قَائِمٌ عَلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ; لِأَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ قَبْلَ إتْمَامِهَا لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ بِالْآيَةِ, فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ دُخُولَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ فَرْضَ الْغَسْلِ, وَالْخِطَابُ بِحُكْمِ الْآيَةِ, فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْآيَةِ اسْتِعْمَالُهُ لِبَقَاءِ فَرْضِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا لَا يَخْلُو قَوْله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ حَالَ وُجُودِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فِعْلِ جُزْءٍ مِنْهَا أَوْ إرَادَةِ الْقِيَامِ إلَيْهَا فِي حَالِ الْحَدَثِ, فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ وُجُودَ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ اقْتَضَى لُزُومَ اسْتِعْمَالِهِ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ فِعْلِ جُزْءٍ مِنْهَا لِاقْتِضَاءِ الْآيَةِ, وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ إرَادَةَ الْقِيَامِ إلَيْهَا مُحْدِثًا وَجَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا لِلُزُومِ اسْتِعْمَالِهِ فَقَدْ وُجِدَ, فَعَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ, وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ بِالتَّيَمُّمِ وَالدُّخُولِ فِيهَا مَعَ وُجُودِ سَبَبِ تَكْلِيفِهِ; إذْ كَانَ الْمُسْقِطُ لِفَرْضِهِ هُوَ عَدَمُ الْمَاءِ فَمَتَى وُجِدَ فَقَدْ عَادَ شَرْطُ لُزُومِهِ فَلَزِمَتْهُ الطَّهَارَةُ بِهِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] فَإِذَا كَانَ جُنُبًا وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الماء لزمه بقوله: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} إلَى قَوْلِهِ: حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] .
فَإِنْ قِيلَ: فِي نَسَقِ الْخِطَابِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} . قِيلَ لَهُ: هُمَا مُسْتَعْمَلَانِ جَمِيعًا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى شَرِيطَتِهِ, فَالتَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَالْغُسْلُ عِنْدَ وُجُودِهِ; وَغَيْرُ جَائِزٍ إسْقَاطُ الْغُسْلِ عِنْدَ وُجُودِهِ; إذْ كَانَ الظَّاهِرُ يُوجِبُهُ, وَلَمْ تُفَرِّقْ الْآيَةُ بَيْنَ حَالِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهُ; وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ" فَجَعَلَهُ طَهُورًا بِشَرِيطَةِ عَدَمِ الماء, فإذا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute