فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " تَوَاضُعًا مِنْهُ، وَتَقْدِيمًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَى نَفْسِهِ.
يُرِيدُ: أَنَّا لَمْ نَشُكُّ، وَنَحْنُ دُونَهُ، فَكَيْفَ يَشُكُّ هُوَ؟
وَتَأْوِيلُ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} .
أَيْ: يَطْمَئِنَّ بِيَقِينِ النَّظَرِ -وَالْيَقِينُ جِنْسَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَقِينُ السَّمْعِ، وَالْآخَرُ يَقِينُ الْبَصَرِ.
وَيَقِينُ الْبَصَرِ أَعْلَى الْيَقِينَيْنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ المخبَر كَالْمُعَايِنِ" ١ حِينَ ذَكَرَ قَوْمَ مُوسَى وَعُكُوفَهُمْ عَلَى الْعِجْلِ.
قَالَ: أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْمَهُ عَبَدُوا الْعِجْلَ، فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، فَلَمَّا عَايَنَهُمْ عَاكِفِينَ، غَضِبَ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ، حَتَّى انْكَسَرَتْ.
وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْقِيَامَةِ، وَالْبَعْثِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، مُسْتَيْقِنُونَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَقٌّ، وَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ -عِنْدَ النَّظَرِ وَالْعَيَانِ- أَعْلَى يَقِينًا.
فَأَرَادَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بِالنَّظَرِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْيَقِينَيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ" فَإِنَّهُ أَرَادَ قَوْلَهُ لِقَوْمِهِ {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ٢ يُرِيدُ: سَهْوَهُ٣ فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي ضَاقَ فِيهِ صَدْرُهُ، وَاشْتَدَّ جَزَعُهُ، بِمَا دَهَمَهُ مِنْ قَوْمِهِ، حَتَّى قَالَ: {أَوْ آوِِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} وَهُوَ يَأْوِي إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَشَدِّ الْأَركان.
١ الْمَقَاصِد ٣٥١، والتمييز: ١٣٥، والكشف ٢/ ١٦٨، وصحيح الْجَامِع: ٥/ ٨٧ والدرر برقم ٣٥٢، والتدريب ٣٧٠ والْحَدِيث بِلَفْظ: "لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة ".٢ سُورَة هود: الْآيَة ٨٠.٣ أَي: هُوَ لوط عَلَيْهِ السَّلَام.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute