لهدم العقيدة الثانية. إنه يأخذ باعتراف خصومه هؤلاء ليثبت لهم جحودهم بهذا الإشراك (١) وهذا الخلط، فضلا عن منافاة ذلك للعقل. فالوحدة الدينية التي يدعو إليها القرآن تنبني على فكرة كانت موجودة من قبل وقائمة بالفعل، ولكنها كانت مغمورة تحت أنقاض الأفكار المناقضة. فيستخرجها القرآن من بين هذا كله ويعيد إليها صفاءها وينقيها من كل شائبة، وهو بهذا لا يخترعها ولا يكتشفها، فطريقته إذن قائمة على حذف الشوائب لا على إضافة الجديد.
[فكرة الأسباب والمسببات]
وهكذا نرى - كما ألمحنا فيما سبق - أن قوة الفكرة الدينية لا تكمن في أصالتها بل على العكس، في طابعها المتأصل. إنها تدفعنا إلى الإيمان بها بنفس القوة التي تغوص بها جذورها في أعماق معتقدات آبائنا الأولين الموغلة في القدم.
ولهذا نرى القرآن - فضلا عن التدليل المنطقيّ السابق - يؤسس دعوته إلى التوحيد على تاريخ الأنبياء في كل الأزمنة السابقة (٢) فيتجلى بوضوح أن العقل والنقل يشاركان القرآن في إثبات عقيدة التوحيد، ورفض الوثنية والإشراك على اختلاف صورهما (٣).