الكاتب: محمد رشيد رضا
فاتحة السنة الثامنة عشرة للمناربسم الله الرحمن الرحيمسبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، وجل ثناؤك، ولاإله غيرك {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُوَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: ٢٦) .سبحانك اللهم وبحمدك، ما أعدل حكمك، وما أجل حكمتك! وما أوسع علمكوما أنفذ مشيئتك {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَتَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (الزمر: ٤٦) .سبحانك اللهم وبحمدك، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك،أسبغت النعم ظاهرة وباطنة، وأفضت أنوار الكرم بارزة وكامنة، ووهبت العقولوالمشاعر، وبينت السنن والشعائر، وأكملت هداية الدين ببعثة محمد خاتم النبيينفَصَلِّ وسلم اللهم عليه وعلى آله الأئمة الطاهرين، وأصحابه الهادين المهديين.اللهم إن نعمك لا تحصى، وقد كفرها الكافرون، وإن صراطك المستقيم لايخفى، وقد تنكبه الضالون، وإن حكمك لهو الحق وإن عمي عنه المبطلون، وإنعدلك لهو القسطاس وإن جهل الظالمون، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَيَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف: ٣٤) {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمبِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لاَ تَجْأَرُوا اليَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} (المؤمنون: ٦٤-٦٥) .ربنا إنك آتيت أقوامًا الغنى فطغوا وفسقوا عن أمرك، وآتيتهم القوة فبغوا فيأرضك، ربنا ليضلوا عن سبيلك، بما أعرضوا عن دليلك، {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىأَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ} (يونس: ٨٨) ,{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَنَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الغَالِبُونَ} (الأنبياء: ٤٤) .يا أيها الناس لا خير في الحضارة المدنية، إذا أقيمت على قواعد الأثرةوالقوة المادية، ولا خير في العلم ولا في العمران، إذا كانا وسيلة لاستعباد الإنسانلأخيه الإنسان، أفلا يعلم الذين جعلوا الحق كله للقوة أن الله الذي خلقهم هو أشدمنهم قوة، وأنه بعباده رؤوف رحيم وإنما يرحم الراحمين، وأنه يأمر بالعدلوالإحسان وخص بمحبته المحسنين، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَعَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّاكَانُوا يَكْسِبُونَ} (غافر: ٨٢) {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَعَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّاعَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (الروم: ٩) [*] {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهَّابِ * أَمْ لَهُم مُّلْكُالسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ * جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَالأَحْزَابِ} (ص: ٩-١١) ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍوَاحِدَةٍ} (النساء: ١) , {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْشُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات: ١٣) لا لتتناكروا وتتخالفوا، {وَسَخَّرَ لَكُممَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} (الجاثية: ١٣) لتشكروا لا لتكفروا،ولتصلحوا لا لتفسدوا، وليس الإصلاح في الاستعانة بقوى المواد وخواص الأشياء،على إفساد أمر الناس الذين خلق الله لهم جميع الأشياء، وإنما الإصلاح كلالإصلاح أن تستعينوا بما آتاكم الله من العلم والعرفان، وما هداكم إليه من تسخيرالقوى الكامنة في الأجسام، على جعل منافعها شَرَعًا بين جميع الناس، وجعلالغاية منها إيصال الشعوب كلها إلى ما يمكن من الكمال. وإن الإفساد كل الإفسادأن تحتكر الشعوب العالمة منافع العلم، وتجعله ذريعة لبغي بعضها على بعض،واستذلال الشعوب الضعيفة في الأرض، وتسخيرها لخدمتها كما تُسَخِّرُ الحيوانالأعجم، بل هم أشد إهانة لمن كرم الله وأكثر تذليلاً، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَوَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَاتَفْضِيلاً} (الإسراء: ٧٠) , {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَافَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (الإسراء: ١٦) .يا أيها الإنسان، اتق الله في أمر أخيك الإنسان، ولا تستعل على مَن فَضَّلَكعليه بالعلم والمال، فقد خلت من قبلكم القرون والأجيال، {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} (إبراهيم: ٤٥) ،{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُبِالْعُصْبَةِ أُوْلِي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ} (القصص: ٧٦) ، {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَالدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّالمُفْسِدِينَ} (القصص: ٧٧) , {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّاللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُالمُجْرِمُونَ} (القصص: ٧٨) , {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَالحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (القصص: ٧٩) ,{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَيُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِندُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَوَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَاوَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِيالأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * َ} (القصص: ٨٠-٨٣) .يا أيها المغرورون بالعلم والقوة، قد عرفتم القوى المادية، فلا تنسوا القوةالمعنوية، يا أيها المغرورون بعرفان السنن الكونية والاجتماعية، لا تنكروا سننالعدالة الإلهية، {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَعَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ} (آل عمران: ١٣٧) ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَامُصْلِحُونَ} (هود: ١١٧) [١] ، {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (القصص: ٥٩) {أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُأَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} (الأعراف: ١٠٠) .وأما أنتم يا معشر المستضعفين والمظلومين، فما زلتم شرًّا على أنفسكم منالأقوياء العادين، لا نعم الله شكرتم، ولا دين الفطرة أقمتم، لا سنن لله في الكونعرفتم، ولا على سننه في ارتقاء البشر سرتم، لا بالقوى المادية انتفعتم، ولابالقوى المعنوية اعتصمتم، فما ظلمكم الله ولا الناس؛ لكن أنفسكم ظلمتم. تطالبونربكم بما وعد به المؤمنين، ولا تطالبون أنفسكم بما فرضه وما شرطه علىالمؤمنين، {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِيالأَمْرِ} (آل عمران: ١٥٢) ، حرمكم بمخالفة كتابه وسنته في عباده ذلكالنصر،] وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّاللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين [ (الأنفال: ٤٦) {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران:١٤٠) , {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُالوَارِثِينَ} (القصص: ٥) .يا قوم! طالما أنذركم المنار - على رءوس السنين والأحوال - سوء عاقبةما أنتم عليه من التفريط والغرور والإهمال، وطالما فَصَّلَ لكم في أعقاب الشهور،ما تَخْرُجُون به من الظلمات إلى النور، مبينًا لكم - بآيات القرآن، وأقيسة الميزانوسنن الله في سيرة الإنسان - أن الأمر ليس بالأماني والأحلام، ولا بمجردالانتساب إلى الإسلام، وإنما هو بالأخلاق والأعمال، والعدل والاعتدال، التيبالإيمان تَبْلُغُ درجات الكمال، وإنما الخلافة في الأرض بالصلاح والإصلاح،والمؤمن المصلح يَرْجُحُ المصلح الكافر بالإيمان، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِالذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء: ١٠٥) , {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْرَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} (إبراهيم: ١٣) , {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ِ} (إبراهيم: ١٤) ,] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِيالأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم [, {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْعِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: ١٢٨) .نعم طالما حذركم المنار وأنذركم، بل طالما ذكركم بنُذُرِ ربكم، وبسننه فيالذين معكم، والذين خلوا من قبلكم، فتماريتم بالنذر، وتعللتم بالقضاء والقدر،وإنما يعتذر بالقدر من يبرئ نفسه، ويتهم ربه، على أنكم تدعون ربكم أن يبدلفيكم سنته، ويبطل لأجلكم حكمته، وينصركم بالاستبداد الأُنُف، وقطع أسبابالقدر، وقد تلوتم ما نزل في حُنَينٍ وأُحُد، إذ نزل بخير سلفكم ما نزل، جزاءالعجب والخلاف والفشل، وفيهم خاتم الأنبياء والرسل، أإسلامكم خير من إسلامهمأم لكم براءة في الزبر، {كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ *إِنَّهَا لإِحْدَى الكُبَرِ * نَذِيراً لِّلْبَشَرِ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} (المدثر: ٣٢-٣٧) .نعم إن لله في خلقه آيات، وإن لربكم في أيام دهركم نفحات، وإن له تعالىرحمة خاصة لَدُنِّيَّة، تتخلل سننه الاجتماعية، (وإن الله تعالى ليؤيد هذا الدينبالرجل الفاجر) [٢] (وإن الله تعالى ليؤيد الإسلام برجال ما هم من أهله) [٣] ولكنالله تعالى لا يؤيد بخوارق الآيات من أعرض عن السنن وآيات القرآن، ولا يُمِدّبالنفحات والرحمة الخاصة من استحق الحرمان من معظم الرحمة العامة، ألا وإنتأييد الله الإسلام بغير أهله أكبر حجة على جميع من يُعَدُّون من أهله، ولا سيما إذاأصروا على خذل أنفسهم بخذله، أفلا يعلم من لا خير له في نفسه من نفسه أن لا خيريُرْجَى له من غيره؟ {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلاَّتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (النجم: ٣٦-٣٩) .يجب علينا معاشر المسلمين أن ننتصف من أنفسنا، قبل أن ننتصف أونستنصف من الأجانب عنا - وأن نستجيب لله وللرسول إذا دعانا لما يحيينا، قبلأن ندعوه أن يستجيب لنا ويؤتينا ما وعدنا - وأن نشكر نعم ربنا التي أعطى منغير استحقاق لها، قبل أن نسأله حفظها أو المزيد منها بدون قيام بحقها - وأن نعلمأن الله تعالى لا يستجب الدعاء بلسان المقال، إلا إذا كان دعاء بلسان الاستعدادوالحال، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاًفَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (الرعد: ١١) .إنني أُذَكِّر في فاتحة السنة الثامنة عشرة للمنار، بما طالما فَصَّلْتُ فيه القولفي السنين الخوالي: إننا نحن مسلمي هذا العصر، لا نستحق على الله تعالى نصيبًامن الملك، ولا خلافة في شيء من الأرض، لا بحسب سننه في خلقه، ولابمقتضى وعده في كتابه، فإذا أعطى شيئًا أو أبقى، فتلك عنايته تعالى وفضله لامما جعله وعدًا عليه حقًّا، وإن الله تعالى ليبلو عباده بالحسنات، كما يبلوهمبالسيئات، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فيكون أحسن جزاء وخيرًا أملاً، {وَلَقَدْصَرَّفْنَا فِي هَذَا القُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (الكهف: ٥٤) , {وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُالعَذَابَ بِل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} (الكهف: ٥٨) .هذا وإن آية المؤمن أن يحمد الله في السراء والضراء، ولا ييأس من روحالله مهما اشتدت الأهوال والأرزاء، ويعلم أن ما أصابه من حسنة فمن فضل ربه،وما أصابه من سيئة فمن نفسه وسوء كسبه، فَيُحْدِث عند الحسنة شكرًا، ويُحْدِثعند السيئة توبة وذكرى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌاطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُالمُبِينُ} (الحج: ١١) .{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} (الأعراف: ٢٣) ، {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (يونس: ٨٥) ،{ْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا َتَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَىالَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} (البقرة:٢٨٦) .{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة:٢٠١) , {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُالمِيعَادَ} (آل عمران: ١٩٤) , {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُالفَاتِحِينَ} (الأعراف: ٨٩) , {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالعَالَمِينَ} (الزمر: ٧٥) .... ... ... ... ... ... ... ... منشئ المنار ومحرره... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد رشيد رضا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute