وإذا كانت الصفة كمالاً في حال ونقصاً في حال لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق فلا تثبت له إثباتاً مطلقاً ولا تنفى عنه نفياً مطلقاً بل لابد من التفصيل فتجوز في الحال التي تكون كمالاً وتمتنع في الحال التي تكون نقصاً وذلك كالمكر والكيد والخداع (١)
ونحوها فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد وتكون نقصاً في غير هذه الحال (٢) ولهذا لم يذكرها الله تعالى
(١) المكر والكيد والخداع ألفاظ متقاربة ومعناها هو التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالخصم فيوصل الشر والأذى بالغير خفية وبغتة.
ولهذا عندما مكر اليهود بعيسى وأرادوا قتله مكر الله بهم وألقى الشبه على من أراد أن يقتله فقُتل ورفع الله عيسى إليه فسلم من مكرهم. وكذلك عندما كاد إخوة يوسف له فإن الله كاد ليوسف وخلص منهم أخاه في قصة صواع الملك بطريقة منظمة من السماء فالله أسند الكيد لنفسه وليس هذا ظلماً. انظر تفسير الطبري (٣/٢٨٩) ، والفتاوى (٧/١١١) . وسيأتي في الملحق تفصيل هذه المسألة. وليس مكر الله كمكر المخلوق. انظر تفصيل ابن القيم للمسألة في مختصر الصواعق ص ٢٨٨. (٢) أي إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلماً له وإذا فعلت بمن يستحق العقوبة كانت عدلاً ولهذا قال شيخ الإسلام في الفتاوى (٧/١١) : وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ " المكر " و" الاستهزاء " و" السخرية " المضاف إلى الله وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز وليس كذلك بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلماً له وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلاً، كما قال تعالى: {كذلك كدنا ليوسف) فكاد له كما كادت أخوته لما قال له أبوه: {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً} وقال تعالى: {أنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً} وقال تعالى: {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم} وقال تعالى: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم} ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلاً يستحق هذا الاسم ا. هـ. وانظر الحجة في بيان المحجة للأصبهاني (١/١٦٨)