إنَّ الله - سبحانه وتعالى - لم يأمرْ أهل الإيمان بالذِّكر فحسب، بل أمرهم بالإكثارِ منه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: ٤١، ٤٢]، وقال - عز وجل -: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الجمعة: ١٠]، وأبان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ المكثرين مِن ذِكرِ الله هم أسبق الناس إلى الأجور، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ» قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:«الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ»(١)، والمُفرِّدُون جمع: مُفرِّد، والمراد به المنفرد والمنقطع إلى الله بقلبه ولسانه لكثرة ذكره.
ولجلالة منزلة الذِّكر وعظيم أثره، كان روحَ الأعمال وأكبرها كما قال تعالى:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}[العنكبوت: ٤٥](٢).
ولا شيء يُذَلِّل اللسانَ ويُرطبه، ويَصقل الإيمان ويَرفعه؛ كذكر الله - سبحانه وتعالى -، ولا سِيما مَن حَافَظَ على أورادٍ مِن الأذكار يَعْمُر بها اللحظات، ويُحيي بها القلب، وقد توارد الصالحون وتوافقوا على
(١) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٦٢)، رقم (٢٦٧٦) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (٢) على خلاف بين المفسرين في معنى الآية، ولكن هذا أحد الأقوال.