قال السمعاني: أما قولهم:" أَتَجْعَلُ فِيهَا"معناه: أنت جاعل فيها على سبيل التقدير، وقالوا: إنما قالوه على سبيل التعجب، طلبا لوجه الحكمة فيه، وأما قوله:" وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ" ليس على سبيل التفاخر، بل معناه: أنه إذا أفسدوا وسفكوا الدماء فنحن نبقى على هيئة التسبيح والتقديس أم لا؟ قال:" قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"(١).
وقال سبحانه عن عبادتهم:" وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ"[الأنبياء:١٩ - ٢٠]، فهم يسبحون دائما لايضعفون ولا يفنون، واعلم أنه ليس عند الملائكة ليل ولا نهار، وإنما المراد بذكر الليل والنهار هاهنا: الدوام على التسبيح (٢).
وقال تعالى:" وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"[النحل:٤٩ - ٥٠]، يقول السمعاني:"ويُقال: ولله يسجد مافي السموات من الملائكة، ومافي الأرض من دابة، فإن قال قائل: كيف يستقيم هذا المعنى؟، وقد قال بعده " وَالْمَلَائِكَةُ"؟ والجواب من وجهين:
أحدهما: أنه خصهم بالذكر تشريفا لهم، والآخر: أن المراد من الملائكة المذكورين أخيرا هم ملائكة الله في الأرض، يعبدون الله ويسبحونه" (٣).
وأثنى الله جل وعلا على الملائكة بأنها تصف عند ربها في السماء، قال تعالى:" وَالصَّافَّاتِ صَفًّا"[الصافات:١]، يقول السمعاني:"أنهم الملائكة ... والملائكة صفوف في السماء يذكرون الله تعالى ويذكرهم"(٤).
وكذا قال تعالى:" فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا"[الصافات:٣]، قال السمعاني:" ذهب أكثرهم أن المراد بها: الملائكة وهي تتلو ذكر الله"(٥).
(١) السمعاني: تفسير القرآن:١/ ٦٤ (٢) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ٣٧٣ (٣) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ١٧٧ (٤) السمعاني: تفسير القرآن:٤/ ٣٩١ (٥) السمعاني: تفسير القرآن:٤/ ٣٩١