ومن لَحَظَ هذا المقامَ والذي قبله، وإن عليه كلُّ ما يلقى من الأذى في الله تعالى، وربما دعا لمن آذاه، كما قال ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا ضربه قومُه فجعل يمسَحُ الدَّمَ عن وجهه، ويقول:"ربّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"(١).
وبكلِّ حالٍ يتعين الرفقُ في الإِنكار، قال سفيان الثوري: لا يأمرُ بالمعروف ويَنهى عنِ المنكرِ إلَّا من كان فيه خصالٌ ثلاثٌ: رفيقُ بما يأمرُ، رفيقٌ بما ينهى، عدلٌ بما يأمر، عدلٌ بما ينهى، عالمٌ بما يأمر، عالم بما ينهى (٢).
وقال أحمد: النَّاسُ محتاجون إلى مداراة ورفق الأمر بالمعروف بلا غِلظةٍ إلا رجل معلن بالفسق، فلا حُرمَةَ له، قال: وكان أصحابُ ابن مسعود إذا مرُّوا بقومٍ يرون منهم ما يكرهونَ، يقولون: مهلًا رحمكم الله، مهلًا رحمكم الله.
وقال أحمد: يأمر بالرِّفقِ والخضوع، فإن أسمعوه ما يكره، لا يغضب، فيكون يريدُ ينتصرُ لنفسه.
(١) رواه من حديث ابن مسعود أحمد ١/ ٣٨٠ و ٤٢٧، والبخاري (٣٤٧٧) ومسلم (١٧٩٢). (٢) ذكره أبو طالب المكي في "قوت القلوب" كما في "إتحاف السادة المتقين" ٧/ ٤٩ للزبيدي.