وقال ابن مسعود لأصحابه: أنتم أكثرُ صومًا وصلاةً وجهادًا من أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وهُمْ كانوا خيرًا منكم، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: كانوا أزهدَ منكم في الدُّنيا، وأرغبَ منكم في الآخرة (١).
وقال أبو الدَّرداء: لَئِنْ حَلفتُم لِي على رجلٍ أنَّه أزهدُكم، لأحلفنَّ لكم إنَّه خيرُكم. ويروى عن الحسن، قال: قالوا: يا رسول الله، من خيرُنا؟ قال:"أزهدُكم في الدُّنيا، وأرغبُكم في الآخرة"(٢) والكلام في هذا الباب يطولُ جدًا. وفيما أشرنا إليه كفاية إن شاء الله تعالى.
الوصية الثانية: الزهدُ فيما في أيدي الناس، وأنَّه موجبٌ لمحبَّة النَّاس. وروي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه وصَّى رجلًا، فقال:"ايأَسْ ممَّا في أيدي النَّاس تكُن غنيًا" خرَّجه الطبراني (٣) وغيره.
ويروى من حديث سهل بن سعد مرفوعًا:"شرف المؤمن قيامُه باللَّيل، وعزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ"(٤).
وقال الحسن: لا تزالُ كريمًا على الناس، أو لا يزالُ الناسُ يكرمُونَك ما لم
(١) رواه هناد في "الزهد" (٥٧٥)، وابن المبارك في "الزهد" (١٧٣)، وابن أبي شيبة ١٣/ ٢٩٥، وأبو نعيم في "الحلية" ١/ ١٣٦، وصححه الحاكم ٤/ ٣١٥. (٢) ضعيف، رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (١٠٥٢١). (٣) في "الأوسط" من حديث ابن مسعود كما في "المجمع" ١٠/ ٢٨٦. قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن زياد العجلي، وهو متروك. (٤) رواه أبو نعيم في "الحلية" ٣/ ٢٥٣، والقضاعي في "مسند الشهاب" (١٥١)، وصححه الحاكم ٤/ ٣٢٤ - ٣٢٥، ووافقه الذهبي مع أن فيه زافر بن سليمان، وهو ضعيف، ولذا قال أبو نعيم: غريب، ورواه العقيلي في "الضعفاء" ٢/ ٣٧ - ٣٨ من حديث أبي هريرة، وقال: هذا يروى عن الحسن وغيره من قولهم، وليس له أصل مسند.