المروزي في "كتاب الصلاة"(١) عن إسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم، وأنه قال في معنى قولهم: لا أدري نصفُ العلم: إن العلم إنما هو: أدري ولا أدري، فأحدهما نصفُ الآخر.
قلت: كُلُّ شي كان تحته نوعان: فأحدُهما نصفٌ له، وسواءٌ كان عددُ النوعين على السواء، أو أحدهما أزيد من الأخر، ويدلُّ على هذا حديثُ:"قسمتُ الصلاة بيني وبَينَ عبدي نصفين"(٢) والمرادُ: قراءة الصلاة، ولهذا فسَّرها بالفاتحة، والمرادُ أنَّها مقسومة لِلعبادة والمسألة، فالعبادةُ حقُّ الربِّ والمسألةُ حقُّ العبد، وليس المرادُ قسمة كلماتها على السواء. وقد ذكر هذا الخطابيُّ (٣)، واستشهد بقول العرب: نصف السنة سفر، ونصفها حَضَر، قال: وليس على تساوي الزمانين فيهما، لكن على انقسام الزمانين لهما، وإن تفاوتت مدَّتاهما، وبقول شريح - وقيل له: كيف أصبحت؟ - قال: أصبحت ونصفُ الناس عليَّ غضبان، يريد أن الناسَ بين محكوم له ومحكوم عليه، فالمحكوم عليه غضبان، والمحكوم له راضٍ عنه، فهما حزبان مختلفان. ويقول الشاعر؛
إذا مِتُّ كان الناسُ نصفينِ: شامتٌ … بموتي ومُثْنٍ بالذي كنتُ أفعلُ
ومراده أنهم ينقسمون قسمين.
(١) ١/ ٤٣٥. (٢) قطعة من حديث مطول من حديث أبي هريرة رواه مالك ١/ ٨٤، وأحمد ٢/ ٢٤١، ومسلم (٣٩٥)، وأبو داود (٨٢١)، والترمذي (٢٩٥٣)، والنسائي ٢/ ١٣٥ - ١٣٦، وابن ماجه (٣٧٨٤)، وابن خزيمة (٥٠٢)، وصححه ابن حبان (٧٧٦)، وانظر تمام تخريجه فيه. (٣) في "معالم السنن" ١/ ٢٠٤.