حرماتُ الله لم يَقُمْ لِغضبه شيء (١) ولم يضرب بيده خادمًا ولا امرأة إلا أن يجاهِدَ في سبيل الله (٢). وخدمه أنس عشرَ سنين، فما قال له:"أفٍّ" قط، ولا قال له لشيء فعله:"لم فعلتَ كذا"(٣)، ولا لشيء لم يفعله:"ألا فعلت كذا". وفي رواية أنه كان إذا لامه بعضُ أهله قال - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه فلو قُضي شيءٌ كان". وفي رواية للطبراني (٤) قال أنس: خدمتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما دَرَيْتُ شيئًا قطُّ وافقه، ولا شيئًا قط خالفه، رضي من الله بما كان.
وسئلت عائشةُ عن خُلُقِ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: كان خُلُقُه القُرآن (٥)، تعني: أنه تأدَّب بآدابه، وتخلَّق بأخلاقه، فما مدحه القرآن، كان فيه رضاه، وما ذمه القرآنُ، كان فيه سخطه، وجاء في رواية عنها، قالت: كان خُلُقُه القُرآن يرضى لِرضاه ويسخط لسخطه.
وكان - صلى الله عليه وسلم - لِشدَّةِ حيائه لا يُواجِهُ أحدًا بما يكره، بل تُعرف الكراهة في وجهه، كما في "الصحيح" عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أشدً حياءً من العذراءِ في خِدْرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه، عرفناه في وجهه (٦). ولما بلَّغَه ابنُ
(١) رواه البخاري (٦١٢٦) ومسلم (٢٣٢٧) وأبو داود (٤٧٨٥) عن عائشة، ولفظ البخاري: " … وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط، إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم". (٢) رواه مسلم (٢٣٢٨) وأبو داود (٤٧٨٦) وابن ماجه (١٩٨٤) من حديث عائشة - رضي الله عنها -. (٣) رواه البخاري (٦٠٣٨) ومسلم (٢٣٠٩) من حديث أنس، وصححه ابن حبان (٢٨٩٤)، وانظر تمام تخريجه فيه. (٤) في "المعجم الصغير" (١١٠٠) مطولًا، وذكره الهيثمي في "المجمع" ٩/ ١٦، وزاد نسبته إلى "الأوسط"، وقال: وفيه من لم أعرفه، وفي الصحيح بعضه. (٥) رواه مسلم (٧٤٦) وأحمد ٥٤/ ٦، ٩١، ١١١، ١٨٨، و ٢١٦، والنسائي ٣/ ١٩٩ - ٢٠٠ وابن ماجه (٢٣٣٣) والدارمي ١/ ٣٤٥. (٦) رواه البخاري (٦١٠٢) ومسلم (٢٣٢٠).