وَقَالَ السُّدِّيُّ: نزلت في فنخاص بْنِ عَازُورَاءَ، وَهُوَ قَائِلٌ هَذِهِ الْمَقَالَةِ (١) .
وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ مَالِكَ بْنَ الصَّيْفِ لَمَّا سَمِعَتِ الْيَهُودُ مِنْهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ عَتَبُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: أَلَيْسَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى؟ فَلِمَ قَلَتْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ أَغْضَبَنِي مُحَمَّدٌ فَقُلْتُ ذَلِكَ، فَقَالُوا لَهُ: وَأَنْتَ إِذَا غَضِبَتْ تَقُولُ [عَلَى اللَّهِ] (٢) غَيْرَ الْحَقِّ فَنَزَعُوهُ مِنَ الْحَبْرِيَّةِ، وَجَعَلُوا مَكَانَهُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَتِ الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ كِتَابًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ كِتَابًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ"، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ} لَهَمُ، {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} (٣) يَعْنِي التَّوْرَاةَ، {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} أَيْ: تَكْتُبُونَ عَنْهُ دَفَاتِرَ وَكُتُبًا مُقَطَّعَةً تُبْدُونَهَا، أَيْ: تُبْدُونَ مَا تُحِبُّونَ وَتُخْفُونَ كَثِيرًا مِنْ نَعْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةِ الرَّجْمِ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو " يَجْعَلُونَهُ " " وَيُبْدُونَهَا " " وَيُخْفُونَهَا "، بِالْيَاءِ جَمِيعًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى}
وَقَوْلُهُ {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا} [الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا خِطَابٌ لِلْيَهُودِ، يَقُولُ: عُلِّمْتُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا] (٤) {أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ} قَالَ الْحَسَنُ: جُعِلَ لَهُمْ عِلْمُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَيَّعُوهُ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ يُذَكِّرُهُمُ النِّعْمَةَ فِيمَا عَلَّمَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قُلِ اللَّهُ} هَذَا رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} فَإِنْ أَجَابُوكَ وَإِلَّا فَقُلْ أَنْتَ: اللَّهُ، أَيْ: قُلْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ، {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}
(١) أخرجه الطبري في التفسير: ١١ / ٥٢٢ وعزاه السيوطي لابن أبي حاتم وأبي الشيخ. الدر المنثور: ٣ / ٣١٤.(٢) ساقط من "ب".(٣) أخرجه الطبري: ١١ / ٥٢٣.(٤) ما بين القوسين ساقط من "ب".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute