وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ يَجُرُّ الشَّفْرَةَ فِي حَلْقِهِ فَلَا تَقْطَعُ، فَشَحَذَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً بِالْحَجَرِ، كُلُّ ذَلِكَ لَا تَسْتَطِيعُ.
قَالَ الْسُّدِّيُّ: ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى صَفْحَةً مِنْ نُحَاسٍ عَلَى حَلْقِهِ (١) قَالُوا: فَقَالَ الِابْنُ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا أَبَتِ كُبَّنِي لِوَجْهِي عَلَى جَبِينِي فَإِنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ فِي وَجْهِي رَحِمْتَنِي وَأَدْرَكَتْكَ رِقَّةٌ تَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنِّي لَا أَنْظُرُ إِلَى الشَّفْرَةِ فَأَجْزَعُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ وَضَعَ الشَّفْرَةَ عَلَى قَفَاهُ فَانْقَلَبَتِ السِّكِّينُ وَنُودِيَ: أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: لَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ ذَبْحَ ابْنِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَئِنْ لَمْ أَفْتِنْ عِنْدَ هَذَا آلَ إِبْرَاهِيمَ لَا أَفْتِنُ مِنْهُمْ أَحَدًا أَبَدًا، فَتَمَثَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ رَجُلًا وَأَتَى أَمَّ الْغُلَامِ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ تَدْرِينَ أَيْنَ ذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ بِابْنِكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ بِهِ يَحْتَطِبَانِ مِنْ هَذَا الشِّعْبِ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا ذَهَبَ بِهِ إِلَّا لِيَذْبَحَهُ، قَالَتْ: كَلَّا هُوَ أَرْحَمُ بِهِ وَأَشَدُّ حُبًّا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَإِنْ كَانَ رَبُّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنَ أَنْ يُطِيعَ رَبَّهُ، فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ عِنْدِهَا حَتَّى أَدْرَكَ الِابْنَ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى إِثْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ بِكَ أَبُوكَ؟ قَالَ: نَحْتَطِبُ لِأَهْلِنَا مِنْ هَذَا الشِّعْبِ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَذْبَحَكَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ رَبَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: فَلْيَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ فَسَمْعًا وَطَاعَةً، فَلَمَّا امْتَنَعَ مِنْهُ الْغُلَامُ أَقْبَلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟ قَالَ: أُرِيدُ هَذَا الشِّعْبَ لِحَاجَةٍ لِي فِيهِ، قَالَ: والله إني لا أرى الشَّيْطَانَ قَدْ جَاءَكَ فِي مَنَامِكَ فَأَمَرَكَ بِذَبْحِ ابْنِكَ هَذَا، فَعَرَفَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَوَاللَّهِ لَأَمْضِيَنَّ لِأَمْرِ رَبِّي، فَرَجَعَ إِبْلِيسَ بِغَيْظِهِ لَمْ يُصِبْ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ شَيْئًا مِمَّا أَرَادَ، قَدِ امْتَنَعُوا مِنْهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى. (٢)
وَرَوَى أَبُو الطُّفَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ بِهَذَا الْمَشْعَرِ فَسَابَقَهُ فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ مَضَى إِبْرَاهِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (٣) .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ"
(١) انظر: الطبري: ٢٣ / ٧٨، الدر المنثور: ٧ / ١١٠.(٢) أخرجه الطبري: ٢٣ / ٨٢، وانظر: الدر المنثور: ٧ / ١١٠-١١١، تفسير ابن كثير: ٤ / ١٦-١٧.(٣) أخرجه الطبري: ٢٣ / ٨٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute