{أَلَّا يَسْجُدُوا} قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْكِسَائِيُّ: "أَلَا يَسْجُدُوا" بِالتَّخْفِيفِ، وَإِذَا وَقَفُوا يَقِفُونَ "أَلَا يَا": أَلَا يَا ثُمَّ يَبْتَدِئُونَ: "اسْجُدُوا"، عَلَى مَعْنَى: أَلَا يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا، وَجَعَلُوهُ أَمْرًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُسْتَأْنَفًا، وَحَذَفُوا هَؤُلَاءِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ "يَا" عَلَيْهَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ: أَلَا يَا ارْحَمُونَا، يُرِيدُونَ أَلَا يَا قَوْمُ، وَقَالَ الْأَخْطَلُ: أَلَا يَا اسْلَمِي يَا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي بَكْرِ ... وَإِنْ كَانَ حَيَّانَا عِدَا آخِرَ الدَّهْرِ (١)
يُرِيدُ: أَلَا يَا اسْلَمِي يَا هِنْدُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ "أَلَا" كَلَامًا مُعْتَرِضًا مِنْ غَيْرِ الْقِصَّةِ، إِمَّا مِنَ الْهُدْهُدِ، وَإِمَّا مِنْ سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ مُسْتَأْنَفٌ يَعْنِي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْجُدُوا. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "أَلَّا يَسْجُدُوا" بِالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنَى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ لِئَلَّا يَسْجُدُوا، {لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} أَيْ: الْخَفِيَّ المخبَّأ، {فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ: مَا خَبَّأَتْ. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: خَبْءُ السَّمَاءِ: الْمَطَرُ، وَخَبْءُ الْأَرْضِ: النَّبَاتُ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: "يَخْرُجُ الخبء من السموات وَالْأَرْضِ"، وَ"مِنْ" وَ"فِي" يَتَعَاقَبَانِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: لَأَسْتَخْرِجَنَّ الْعِلْمَ فِيكُمْ، يُرِيدُ: مِنْكُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى "الْخَبْءَ" الْغَيْبُ، يُرِيدُ: يعلم غيب السموات وَالْأَرْضِ. {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} قَرَأَ الْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ: بِالتَّاءِ فِيهِمَا، لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ خِطَابٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِي بِتَخْفِيفِ أَلَا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ. {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} أَيْ: هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَالسُّجُودِ لَا غَيْرُهُ. وَعَرْشُ مَلِكَةِ سَبَأٍ وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا فَهُوَ صَغِيرٌ حَقِيرٌ فِي جَنْبِ عَرْشِهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَمَّ هَاهُنَا كَلَامُ الْهُدْهُدِ، فَلَمَّا فَرَغَ الْهُدْهُدُ مِنْ كَلَامِهِ. {قَالَ} سُلَيْمَانُ لِلْهُدْهُدِ: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ} فِيمَا أَخْبَرْتَ، {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ؟ فَدَلَّهُمُ الْهُدْهُدُ عَلَى الْمَاءِ، فَاحْتَفَرُوا الرَّكَايَا (٢) وَرُوِيَ النَّاسُ وَالدَّوَابُّ، ثُمَّ كَتَبَ سُلَيْمَانُ كِتَابًا: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ إِلَى بِلْقِيسَ مَلِكَةِ سَبَأٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى،
(١) البيت في لسان العرب مادة (عدا) ، واستشهد به الطبري أيضا: ١٩ / ١٤٩.(٢) الركايا: جمع ركية، وهي البئر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute