{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} هَذَا مَثَلُ الْكَافِرِ، رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُقَدِّمْ فِيهِ خَيْرًا، {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} هَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ، أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَعَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنْفَقَهُ فِي رِضَاءِ اللَّهِ، سِرًّا وَجَهْرًا، فَأَثَابَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ (١) . {هَلْ يَسْتَوُونَ} وَلَمْ يَقُلْ يَسْتَوِيَانِ لِمَكَانِ "مِنْ" وَهُوَ اسْمٌ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ "لَا يَسْتَطِيعُونَ" بِالْجَمْعِ لِأَجْلِ مَا.
مَعْنَاهُ: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الْفَقِيرُ الْبَخِيلُ وَالْغَنِيُّ السَّخِيُّ؟ كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْكَافِرُ الْعَاصِي وَالْمُؤْمِنُ الْمُطِيعُ. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا} أَيْ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} أَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (٢) . ثُمَّ قَالَ:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} يَقُولُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ، مَا لِلْأَوْثَانِ عِنْدَهُمْ مِنْ يَدٍ وَلَا مَعْرُوفٍ فَتُحْمَدُ عَلَيْهِ، إِنَّمَا الْحَمْدُ الْكَامِلُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ وَالْخَالِقُ وَالرَّازِقُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْكُفَّارِ لَا يَعْلَمُونَ. ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِلْأَصْنَامِ فَقَالَ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} كَلٌّ: ثِقَلٌ وَوَبَالٌ "عَلَى مَوْلَاهُ" ابْنِ عَمِّهِ، وَأَهْلِ وِلَايَتِهِ، {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} يُرْسِلْهُ، {لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ} لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا يُقَالُ لَهُ، وَلَا يُفْهَمُ عَنْهُ، هَذَا مَثَلُ الْأَصْنَامِ، لَا تَسْمَعُ، وَلَا تَنْطِقُ، وَلَا تَعْقِلُ، {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} عَابِدِهِ، يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَحْمِلَهُ وَيَضَعَهُ وَيَخْدِمَهُ.
{هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} يَعْنِي: اللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ، مُتَكَلِّمٌ، يَأْمُرُ بِالتَّوْحِيدِ، {وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي يَدُلُّكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
(١) وهذا التأويل رجحه الطبري: ١٤ / ١٤٨-١٤٩.(٢) انظر: زاد المسير: ٤ / ٤٧٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute