وأجيب: بأن المسلمين قد أجمعوا على أن الأخبار الواردة في السجود عند تلاوة القرآن هي بمعنى الأمر بالسجود مقيدًا بالتلاوة أي: عند التلاوة، وورد الأمر به مطلقا فوجب حمل المطلق على المقيد، وليس الأمر في ذلك بالسجود كالأمر بالصلاة، فإن الصلاة قيد وجوبها بقيود أخر.
وأيضًا: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سجد فيها فبين لنا بذلك معنى الأمر بالسجود الوارد فيها، أي: أنه عند التلاوة فوجب أن يحمل مقتضى الأمر في الوجوب عليه (٢).
الوجه الثالث: على فرض التسليم بأنه أمر بالسجود عند التلاوة، فإنه يتعين حمله على الندب، جمعًا بينه وبين ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - من ترك السجود أحيانا (٣).
فهذا الكلام يقتضي أنه لا يؤمن بآياته إلا من إذا ذكر بها خر ساجدا وسبح بحمد ربه، وهو لا يستكبر (٤).
ونوقش: بأن المراد به التزام السجود واعتقاده، فإن فعله ليس بشرط في الإيمان إجماعًا، ولذا قرنه بالتسبيح، وهو قوله:{خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا}[السجدة: ١٥] وليس التسبيح بواجب (٥).
ولأن ظاهر الآية يقتضي أن جميع الآيات يجب أن يسجد لها إذا
(١) نقله ابن رشد عن الجويني، بداية المجتمع (١/ ١٦٢). (٢) بداية المجتمهد (١/ ١٦٢). (٣) الانتصار (٢/ ٣٩٠). (٤) مجموع فتاوى ابن تيمية (٢٣/ ١٤١) الانتصار (٢/ ٣٩٠). (٥) الانتصار (٢/ ٣٩١)، كشاف القناع (١/ ٤٤٥).