وقد ذكر الزبيدي أن أبا عمرو، ويونس كانا يختاران قراءة " يَغُلَّ " بالبناء للفاعل من الفعل الثلاثي (غَلَّ)، ويوضح ابن بَرِّيٍّ سبب هذا الاختيار بقوله:" قَلَّ أن تَجِدَ في كلامِ العربِ: ما كان لفلانٍ أن يُضرَبَ، على أن يكونَ الفِعلُ مَبْنِيّاً للمَفْعول، وإنّما تجدُه مبنيّاً للفاعل كقولِك: ما كان لمؤمنٍ أن يَكْذِبَ وما كان لنبيٍّ أن يَخون، وما كان لمُحْرِمٍ أن يَلْبِسَ، قال: وبهذا يُعلَمُ صِحَّةُ قراءةِ من قَرَأَ: {وَمَا كَانَ لِنَبيٍّ أَنْ يَغُلَّ} على إسنادِ الفِعلِ للفاعلِ دونَ المَفْعول".
وقد عرض الألوسي لقراءة "يُغَلَّ" فذكر أن في توجيهها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون ماضيه: أَغْلَلْتُهُ أي: نسبته إلى الغُلُولِ، كما تقول: أَكْفَرْتُهُ أي نسبته إلى الكُفْرِ قال الكُمَيْتُ (١):
والمعنى ما صح لنبي أن يَنْسِبَهُ أَحَدٌ إلى الغُلُولِ.
وثانيها: أن يكون من أَغْلَلْتُهُ إذا وجدته غَالَّاً كقولهم: أَحْمَدْتُهُ، وأَبْخَلْتُهُ، وأَجْبَنْتُهُ بمعنى: وَجَدْتُهُ كذلك، والمعنى ما صَحَّ لِنَبِيٍّ أَنْ يُوجَدَ غَالاً.
وثالثها: أنه من (غَلَّ) إلا أن المعنى ما كان لنبي أن يَغُلَّهُ غَيرُهُ أو يَخُونَهُ ويَسْرِقَ مِنْ غَنِيمَتِهِ" (٢).
أحاط الغموض بكلمة "كَلالَةٍ" في قوله تعالى: {يُورَثُ كَلَالَةً} نظراً لتعدد معناها فهي تعني الموروث: المال، أو الميت، كما تدل أيضا على الوارث. والمعنيان جائزان على قراءة "يُورَثُ" بالبناء للمفعول؛ لذلك اختار البصريون أن تكون الكلالة اسما للموروث، وعليه جاء التفسير في الآية: إن الكلالة الذي لم
(١) هذا البيت من إحدى قصائده الهاشميّات، وهي من "الطويل" ومطلعها: (طَرِبْتُ وَمَا شَوْقَاً إِلى الْبِيضِ أَطْرَبُ ... وَلا لَعِبَاً مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ)، انظر خزانة الأدب للبغدادي: ٢/ ٦٠. (٢) روح المعاني: ٤/ ١١٠. (٣) النساء: ١٢.