وقد علل ابن جني لبناء الفعل هنا للمفعول فقال:"فإن قيل: فما معنى هذا التطاول والإبعاد في اللفظ؟، ولم يقل: "بُهِتَ"، وإبراهيم عليه السلام هو الباهت؟!. قيل: إن الفعل إذا بني للمفعول لم يلزم أن يكون ذلك للجهل بالفاعل بل ليعلم أن الفعل قد وقع به، فيكون المعنى هذا لا ذكر الفاعل. لا ترى إلى قوله تعالى:{وخلق الإنسان ضعيفا}(١)، وقوله:{خلق الإنسان من عجل}(٢)، وهذا مع قوله عز وجل:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه}(٣)، وقال سبحانه:{خلق الإنسان من علق}(٤) فالغرض في نحو هذا المعروف الفاعل إذا بني للمفعول إنما هو الاخبار عن وقوع الفعل به حسب، وليس الغرض فيه ذكر من أوقعه به"(٥).
• (يُغَلَّ): قراءة في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}(٦). [التاج: غلل]
اعتمد الزبيدي على قراءات الآية السابقة اعتمادا كليا في شرحه للمدخلين (أَغَلَّ) و (غَلَّ). ومن المدخل (غَلَّ) تتفرع مداخل تتغاير معانيها على النحو التالي: أَغَلَّ يُغِلُّ إِغْلالاً، وحَقْلُهُ الدَّلالي الخِيَانَةُ مطلقًا. وغَلَّ يَغِلُّ غِلَّاً، وحَقْلُهُ الدَّلالي الحِقْدُ. وغَلَّ يَغُلُّ غُلُولاً، وحَقْلُهُ الدَّلالي الخِيَانَةُ في المَغْنَمِ خَاصَّةً. قال ابن السِّكِّيت:"لم نسمعْ في المَغنَمِ إلاّ غَلَّ غُلولاً"(٧). وقال أبو عُبَيْدٍ:"الغُلول من المَغنَمِ خاصّةً، ولا نراه من الخيانةِ، ولا من الحِقدِ، وممّا يُبيِّنُ ذلك أنّه يقال من الخيانة: أَغَلَّ يُغِلُّ، ومن الحِقد: غَلَّ يَغِلُّ بالكَسْر، ومن الغُلول: غَلَّ يَغُلُّ بالضَّمّ".
وفي قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قراءتان: إحداها: {يَغُلَّ}(٨) من الثلاثي المبني للمعلوم. والأخرى:"يُغَلَّ"(٩) من (أُغِلَّ) الرباعي المبني للمفعول (١٠).
(١) النساء: ٢٨. (٢) الأنبياء: ٣٧. (٣) سورة ق: ١٦. (٤) العلق: ٢. (٥) المحتسب: ١/ ١٣٥. (٦) آل عمران: ١٦١. (٧) انظر إصلاح المنطق: ٨٦. (٨) هي قراءةُ ابنِ كَثيرٍ، وأبي عمروٍ، وعاصمٍ، وَرَوْحٍ، وَزَيْدٍ. انظر: معاني القراءات لأبي منصور الأزهري: ١١٢، والإتحاف للدمياطي: ٢٣١. (٩) قراءة عبد الله بن مسعود، انظر: التيسير لأبي عمرو:٧٠، ومعجم القراءات لمختار: ١/ ٤٥٧. (١٠) انظر: معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٤٦، والحجة لابن خالويه: ١١٥، والحجة لابن زنجلة: ١٧٩، والدر المصون للسمين: ٤/ ٢٣٠.