والمعنى: أحسب الناس الذين أجروا كلمة التوحيد على ألسنتهم، وأظهروا القول بالإيمان، أنهم يتركون لذلك غير ممتحنين، بل يمتحنهم الله ويختبرهم بضروب المحن، حتى يختبر صبرهم، وثبات أقدامهم، وصحة عقائدهم، ونصوع ٢ نيّاتهم، ليتميّز المخلص من غير المخلص، والراسخ في الدين من المضطرب فيه، والمتمكن فيه من العابد على حرف.
كما قال- تعالى-: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ... } ٣.
قال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ (قَبْلِهِمْ) ٤} ٥.
يعنى: أن أتباع الأنبياء قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فتنوا، وأصابهم ما (هو) ٦ أشدّ ممّا أصابكم فصبروا.
١ - قال القرطبي: (قال مجاهد وغيره: "فنزلت هذه الآية مسلّية ومعلمة أن هذه سيرة الله في عباده اختبارا للمؤمنين وفتنة". قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب أو ما في معناه من الأقوال فهي باقية في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - موجود حكمها بقية الدهر. وذلك أن الفتنة من الله- تعالى- باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدوّ وغير ذلك. وإذا اعتبر- أيضاً- كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن. قلت- أي القرطبي-: ما أحسن ما قاله، ولقد صدق فيما قال). (الجامع لأحكام القرآن: ١٣/ ٣٢٣ - ٣٢٤). ٢ - الناصع: الخالص من كل شيء، والنصيع: الصافي كالناصع. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: ٤/ ٣٤١ - ٣٤٢). ٣ - سورة آل عمران / آية ١٨٦، وتمامها: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. ٤ - في "الأصل"، و"ب" و"ج" (قبلكم) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "د". ٥ - سورة العنكبوت / آية ٣، وتمامها: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}. ٦ - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". ٧ - بضم القاف وإسقاط الألف على قراءة ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائى: (قاتل) بفتح القاف وادخال الألف. (ابن مجاهد- السبعة في القراءات: ٢١٧).