عصا له شعبتان ومحجن تحت الشعبتين، وزج في طرفها، فكان يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، وإذا طالت شجرة حناها بالمحجن، وإذا أراد أن يقوس شجرة تطول لها لواها بالشعبتين، وكان إذا مشى ألقاها على عاتقه، فيعلق بها قوسه وكنانته ومرجمته وحلابه وإرادته، وزاداً إن كان مع، وإذا ارتعى في البرية التي ليس فيها ظل ركزها في الأرض، ثم أعرض زنده بين شعبتيها ثم ألقي عليها كساءه، فاستظل ما كان مرتاعاً، وكان إذا ورد ماء يقصر عنه رشاؤه وصل الرشاء بالمحجن؛ وكان يقاتل بها السباغ عن غنمه.
فكانت هذه من مآربه التي أراد أن يقص، ولكن منعه من ذلك الخوف، فأجمع القصة بقوله:" ولي فيها مآرب أخرة، قال ألقها يا موسى " فظن موسى أنه يقول ارفضها ولا تقبض بها " فألقاها موسى على وجه الرفض، ثم حانت منه نظرة، فإذا هو بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون! في مثل بدن البختي العظيم، إلا أنه أطول منه، مسرعة تدب على قوائم قصار غلاظ شداد، قد جعلت الشعبتان له فم مثل القليب الواسع، فيها أضراس وأنياب وقد جعل له عرفاً نابتاً له شعر مثل شعر البازل، قد جعل له عينان يتوقدان ناراً، وجعل يدب كأنه يبتغي شيئاً ليأخذه، إلا أنه ليمر بالشجرة العظيمة فيطعن بناب من أنيابه في أصلها، فيجدلها، ثم يبتلعها، ويمر بالصخرة العظيمة مثل الحلقة فيبتلعها حتى أنه ليسمع تقعقع الصخرة في جوفها، فلما عاين موسى ذلك " ولى مدبراً ولم يعقب " فذهب على وجهه حتى أمعن، وظن أنه قد أعجز الحية، ثم ذكر أنه هو فاستحيا، ثم نودي يا موسى! ارجع حيث كنت. فرجع وهو شديد الخوف فقال: " خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى "، فأدركه وعليه