فعيسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يفتل ولم يصلب، بل رفعه الله إليه، ولم يمت، قال تعالى:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[آل عمران: ٥٥](٢) وقال تعالى حكاية عن المسيح: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة: ١١٧](٣).
والوفاة هنا بمعنى القبض، كما يقال: توفيت من فلان ما لي عليه، بمعنى: قبضته واستوفيته، فيكون معنى:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}[آل عمران: ٥٥] أي: إني قابضك من الأرض ورافعك إلي (٤).
وقوله عز وجل:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}[النساء: ١٥٩] يعم اليهود والنصارى، فدل ذلك على أن جميع أهل الكتاب يؤمنون بالمسيح قبل موته، وذلك إذا نزل في آخر الزمان (٥).
آمنت اليهود والنصارى بأنه
(١) سورة النساء، الآيات ١٥٥ - ١٥٩. (٢) سورة آل عمران، الآية ٥٥. (٣) سورة المائدة، الآية ١١٧. (٤) ورجح هذا القول الطبري في تفسيره ٣/ ٢٠٣. وهناك أقوال أخرى في معنى الوفاة هنا، فمنهم من قال: النوم، وهم الأكثر، كما قاله ابن كثير ١/ ٣٦٧، ومنهم من قال في الآية تقديم وتأخير، وتقديره. إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد ذلك. انظر. تفسير الطبري ٣/ ٢٠٢ - ٢٠٤، والبغوي ١/ ٣٠٨، وزاد المسير ١/ ٣٩٦، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ٢/ ٢٨٥ وتفسير ابن كثير ١/ ٣٦٧، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ١/ ٣٤٢. (٥) انظر خبر نزول عيسى آخر الزمان وحكمه بالشريعة الإسلامية في البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب نزول عيسى ابن مريم ٦/ ٤٩٠، ومسلم، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ١/ ١٣٥.