ثم إن الأمير يشبك أرسل خلف برد بك جبس وذكر له ما نقل عنه، فأنكر ذلك وحلف إيمانا عظيمة أنه لم يصدر منه شئ من ذلك، فقامت عليه البيّنة وكذّبوه فى وجهه، فسكت ولم ينطق بحرف واحد، فعند ذلك أمر الأمير يشبك بضربه، فضرب بين يديه ضربا مبرحا حتى أشرف منه على الهلاك، ثم أقامه وأحضر له عمامة يهودى صفراء وألبسها له، وقصد يشهره فى القاهرة، فشفع فيه بعض الأمراء، فأركبه على حمار وجرّسه بين يديه فى الدوّار، ثم شكّه فى الحديد وأمر بنفيه إلى الواح، فنفى، وكل ذلك جرى والسلطان مسافر لم يعلم له خبر، وكانت هذه الواقعة سببا لنفى جانى بك الفقيه أمير سلاح، كما سيأتى الكلام على ذلك فى موضعه.
وفيه ختم قراءة البخارى بجامع الأزهر، وحضر به القضاة الأربعة، وفرّقت هناك الخلع والصرر على الفقهاء والعلماء، وكان قراءة البخارى من أول شهر رمضان فى الجامع الأزهر، وعند الدعاء يدعون للسلطان بالسلامة. - فبينما القاهرة فى اضطراب وإذا بخاصكى حضر من عند السلطان، يقال له بردبك سكر، وعلى يده عدّة مكاتبات، منها للخليفة والقضاة الأربعة والأتابكى أزبك وبقية الأمراء قاطبة، فكان من مضمونها أن السلطان كان قد حصل له توعّك فى جسده، وقد بعث الله تعالى بالعافية والشفاء، وحصل البرء، فضربت البشائر بالقلعة، ودخل على بردبك سكر عدة كوامل بصمّور من الأمراء والخليفة وقضاة القضاة وأرباب الدولة، ودقّت البشائر على أبواب الأمراء، وتخلّق الخدّام بالزعفران، ونودى فى القاهرة بالزينة سبعة أيام، فزيّنت وأظهر الناس الفرح والسرور بعافية السلطان، وسكن الاضطراب الذى كان بالقاهرة، وبطل القال والقيل الذى كان بين الأمراء، وفى ذلك يقول الشهاب المنصورى:
بعافية السلطان مولى الأنام قد … تهلّل وجهه الدهر فهو جميل
وقد صحّت الدنيا لصحّة جسمه … فليس بها غير النسيم عليل
وكان الأمير يشبك الدوادار، من حين توجّه السلطان للسفر، وهو مجتهد فى