وقد اختلف في هذه القضية اختلافا كثيرا، فأنكر جمهور العلماء أن يكون في القرآن شيء غير عربي، لأن الله تعالى أنزله بلغة العرب، وقال: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: ٢]. وقال: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: ١٩٥].
واستدلوا بأن الله تعالى جعله معجزة شاهدة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وتحدى به العرب العرباء، وأفحم الفصحاء والبلغاء بآياته، فلو اشتمل على غير لغة العرب لاحتجوا عليه، واعترضوا (١).
واستدل من قال بوقوع المعرّب في القرآن بوجود ألفاظ فيه هي في لغات غير العرب، كالشواهد التي ذكرناها.
قالوا: إن القرآن حوى علوم الأولين والآخرين، ونبأ كلّ شيء، فلا بدّ أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن، ليتمّ إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها، وأخفّها، وأكثرها استعمالا للعرب» (٢).
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة، فلا بدّ وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو.
وقد ذهب المحققون إلى التوفيق بين الرأيين، وسبق لذلك الإمام أبو عبيد القاسم بن سلّام، وذلك أن هذه الألفاظ أصولها أعجمية، لكنها وقعت للعرب،
(١) فنون الأفنان: ٣٤٢ والبرهان: ١/ ٢٨٧، والإتقان: ٢/ ١٠٥ وغيرها مما ذكرنا. (٢) الإتقان: ٢/ ١٠٦ - ١٠٧.