والمقصود: بيان أَنّ النظر العقلي المتمحض لم يكن مستعملًا لدى عائشة رضي الله عنها،.لذا كان الغُسل من غُسْلِ الميتِ: منسوخًا عند جَماعةٍ من أَهل العلم. فقد قال الإِمام أَبوداود السجستاني - رحمه الله- بعد إخراجه لهذا الحديث:(هذا منسوخٌ)(١) . وعند بعضهم: الأمر فيه للاستحباب؛ لا للوجوب. ومن أهل العلم من يرى الأمر فيه على بابه وهو الوجوب (٢)، وليس المقام مقام استتمام للأقوال في المسألة والترجيح بينها.
- المثال الثَّاني:
ما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّها لمَّا بلغها الحديث الذي يرويه أبوهريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يُدخِل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا)(٣) فقالت رضي الله عنها: (يا أبا هريرة، فما نصنع بالمهراس؟)(٤) وهذه الرِّوايةُ لا تثبتُ عن عائشة، ولا عن ابن عباس - رضي الله عنهم -،كما صرَّح بذلك الحافظُ ابن حجر؛ حيث قال معقبًا على إيراد بعض الأصوليين لها:(يعني أنَّ ابن عبّاس، وعائشة - رضي الله عنهم -، خالفا حديث أَبي هريرة في الأمر بغسل اليد لمن استيقظ قبل إدخالها في الإناء، واستشكلاه بما ذُكِرَ، وتَبِع المُصنِّف (٥) في ذلك كلام الآمدي= ولا وجود لذلك في شيءٍ من كُتُبِ الحديث (٦) .
(١) "السُّنن" لأبي داود السِجستاني (٣/ ٣٣٤) (٢) انظر: "الاستذكار"لابن عبدالبر (٣/ ١٢)،و"شرح السُّنّة"للبغوي (٢/ ١٦٩)،و"المغني "لابن قدامة (١/ ١٢٣) (٣) أخرجه مسلم في "الصحيح"كتاب "الطهارة"،باب"كراهة غمس المتوضي وغيره يده في الإناء" (١/ ٢٣٣ - رقم [٢٧٨]) (٤) المهراس: الحجر العظيم الذي تمتحن برفعه قوة الرجل وشدته ="النهاية" (١/ ٢٥٣) (٥) يعني: ابن الحاجب. (٦) انظر: "موافقة الخُبْر الخَبَرَ" (١/ ٤٦١)