فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟
والضغطة، بالضم، قال في القاموس: الضيق والإكراه والشدة. انتهى.
فإن قلت: ما الحكمة في كونه عليه الصلاة وافق سهيلا على أنه لا يأتيه رجل منهم وإن كان على دين الإسلام إلا ويرده إلى المشركين.
اشترط سهيل على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك، وامتعضوا منه بعين مهملة وضاد معجمة أي غضبوا من هذا الشرط وأنفوا منه. قال: فأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك "فقال المسلمون" متعجبين: "سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء" حال كونه "مسلما". قال الحافظ: قائل ذلك يشبه أن يكون عمر لما سيأتي وسمى الواقدي ممن قال ذلك أسيد بن حضير وسعد بن عبادة وسهل بن حنيف أنكر ذلك أيضا كما في المغازي من البخاري، "والضغطة بالضم" للضاد وسكون الغين المعجمتين ثم طاء مهملة، كما اقتصر عليه الفتح "قال في القاموس: الضيق والإكراه والشدة. انتهى". وهي ألفاظ متقاربة وفي النهاية، أي عصرا وقهرا، يقال: أخذت فلانا ضغطة إذا ضيقت عليه لتكرهه على الشيء، وفي ترتيب المطالع بفتح الضاد وضمها للأصيلي، أي قهرا واضطرارا، وفي حديث البراء عند البخاري لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، أن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها وعند ابن إسحاق: وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة أي أمورا مطوية في صدور سليمة إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها، وأنه لا إسلال ولا إغلال أي لا سرقة ولا خيانة. فالإسلال من السل وهي السرقة والإغلال الخيانة، تقول أغل الرجل أي خان أما في الغنيمة فيقال: غل بغير ألف، والمراد أن يأمن بعضهم من بعض ونفوسهم وأموالهم سرا وجهرا، وقيل الإسلال من سل السيوف والإغلال من لبس الدروع، ووهاه أبو عبيد قال: وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه, ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة، فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر وقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وإنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل مكة علينا, وأنه إذا كان عام قابل خرجنا فدخلتها بأصحابك، فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيره، "فإن قلت ما الحكمة في كونه عليه الصلاة والسلام وافق سهيلا على أن لا يأتيه رجل منهم، وإن كان على دين الإسلام إلا ويرده إلى المشركين".