يكظمه، وإن أثَّرت بذلا وإيثارًا لم يمسكه. وكمال المحبة عندهم أن تنادي عليه أعضاؤه وألفاظه وألحاظه وحركاته وسكناته بالحبّ نداءً لا يملك إنكاره.
وقال علي بن عبيد: كتب يحيى بن معاذ إلى أبي يزيد: سكرتُ من كثرة ما شربتُ من كأس محبته. فكتب إليه أبو يزيد:"غيرك شرب بحورَ السماوات والأرض وما (١) رويَ بعدُ، ولسانه خارج وهو يقول: هل من مزيد"(٢). فلم ير هذان العارفان التكتّم بها وإخفاءَها وجحدها وهما هما! وكان الأستاذ أبو علي الدقَّاق (٣) ينشد كثيرًا:
لي سَكْرتان ولِلنُّدمان واحدةٌ ... شيءٌ خُصِصتُ به من بينهم وحدي (٤)
وجاءَ رجلٌ (٥) إلى عبد اللَّه بن منازل (٦) فقال: رأيتُ في المنام كأنَّك تموت إلى سنة، فقال عبد اللَّه: لقد أجَّلتني إلى أجل بعيد، أعيش
= "ك، ط". (١) "ك، ط": "والأرض ما". (٢) حلية الأولياء (١٠/ ٤١)، الرسالة القشيرية (٣٢٥). (٣) شيخ أبي القاسم القشيري. توفي سنة ٤٠٥ هـ. طبقات الشافعية (٤/ ٣٢٩). (٤) لأبي نواس في ديوانه (٢٧)، وفيه: "لي نشوتان". وقد أنشده المؤلف مع بيت آخر في مدارج السالكين (٣/ ٢٩٠). وانظر: القشيرية (٧١). (٥) هو أحمد بن حامد الأسود، كما في القشيرية (٣٣٥). (٦) "ب, ك": "المبارك"، تحريف. وهو عبد اللَّه بن محمد بن منازل الضبيّ، شيخ الملامتية، توفي سنة ٣٢٩ هـ. طبقات الصوفية (٣٦٦)، الإكمال (٧/ ٢٠٤). وقد ضبط "منازل" في أصلنا وفي الطبقات بضم الميم، والصواب بفتحها كما في الإكمال وغيره من كتب المشتبه.