أشارت (١) إليه بعضَ الإشارة. وتقريبه إلى الفهم بضرب مثل يعبر (٢) منه إليه، وذلك مثَلُ عبدٍ أخذه سيّده بيده، وقدّمه ليضرب عنقَه بيده، فهو قد أحكم ربطَه، وشدّ عينيه، وقد أيقن العبد أنَّه في قبضته، وأنّه هو قاتله لا غيره. وقد علم مع ذلك برَّه به ولطفه، ورحمته ورأفته، وجوده وكرمه؛ فهو يناشده بأوصافه، ويدخل عليه به، قد ذهب عن وهمه وشهوده كلُّ سبب (٣)، وانقطع (٤) تعلّقه بشيء سواه، فهو معرِض عن عدوه الذي كان سببَ غضب سيّده عليه، قد محا شهودَه من قلبه، فهو مقصورُ النظر إلى سيّده وكونه في قبضته، ناظرٌ إلى ما يصنعه به (٥)، منتظرٌ منه ما يقتضيه عطفه وبرّه وكرمه.
ومثَلُ الأوّل مثلُ عبدٍ أمسكه عدوّه وهو يخنقه للموت، وذلك العبد يشهد خنقَ (٦) عدوّه له، ويستغيث بسيّده، وسيّدُه يغيثه ويرحمه.
ولكنّ ما يحصل للثاني في مشهده ذلك من الأمور العجيبة فوق ما يحصل للأول، وهو بمنزلة من قد أخذه محبوبُه، فهو يخنقه خنقةً، وهو لا يشهد إلَّا خنقه له، فهو يقول: اخنُقْ خنقَك، فأنت تعلم أنّ قلبي يحبّك!