كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} ١.
الثانية: أنه كان {قَانِتاً لِلَّهِ} ، أي: خاشعًا مطيعًا، دائمًا على عبادته وطاعته كما قال شيخ الإسلام: القنوت في اللغة: دوام الطاعة. والمصلي إذا طال قيامه أو ركوعه أو سجوده، فهو قانت في ذلك كله. قال تعالى:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ٢ فجعله قانتًا في حال السجود والقيام. انتهى.
فوصفه في هاتين الصفتين بتحقيق العبودية في نفسه أولاً علمًا وعملاً. وثانيا: دعوة وتعليمًا واقتداء به، وما كان يقتدى به إلا لعمله به في نفسه، ووصفه في الثانية بالاستقامة على ذلك كما قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ٣. فتضمنت العلم والعمل والاستقامة والدعوة.
الدعوة الثالثة: أنه كان حنيفًا، والحنف الميل، أي: مائلاً منحرفًا قصدًا عن الشرك كما قال تعالى حكاية عنه: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ٤ وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} ٥.
الرابعة: أنه ما كان من المشركين. أي: هو موحد خالص من شوائب الشرك مطلقًا، فنفى عنه الشرك ـ على أبلغ وجوه النفي، بحيث لا ينسب إليه شرك وإن قل ـ، تكذيبًا لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام.
وقال المصنف في الكلام على هذه الآية:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} ٦، لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين. {قَانِتاً لِلَّهِ} ٧، لا للملوك ولا للتجار المترفين {حَنِيفاً} لا يميل يمينًا ولا شمالا كفعل العلماء المفتونين {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ٨ خلافا لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين. قلت: وهو من
١ سورة السجدة آية: ٢٤. ٢ سورة الزمر آية: ٩. ٣ سورة فصلت آية: ٣٣. ٤ سورة الأنعام آية: ٧٩. ٥ سورة الروم آية: ٣٠. ٦ سورة النحل آية: ١٢٠. ٧ سورة النحل آية: ١٢٠. ٨ سورة النحل آية: ١٢٠.