قلت: وكان أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بعدم الخروج، فلما قدر الله الأمر قال ذلك تصويبًا لرأيه، ورفعًا لشأنه فردّ الله عليه وعلى أمثاله {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ١. فلا تعذرون عن ذلك. فعلم أن ذلك بقضاء الله وقدره. أي: يستوي الذي في وسط الصفوف والذي في البروج المشيدة في القتل والموت. بل {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} ٢، فلا ينجي حذر من قدر. وفي ضمن ذلك قول"لو"ونحوه في مثل هذا المقام; لأن ذلك لا يجدي شيئًا؛ إذ المقدر قد وقع فلا سبيل إلى دفعه أبدًا. {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} ٣.
قال في"الصحيح"عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل; فإن لو تفتح عمل الشيطان" ٤.
ش: قوله:"في"الصحيح"" أي:"صحيح مسلم".
قوله:"احرص على ما ينفعك ... " إلخ. هذا الحديث اختصره المصنف رحمه الله ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كل خير، احرص على ما ينفعك" ٥ إلى آخره.
فقوله عليه السّلام:"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" ٦. فيه أن الله سبحانه موصوف بالمحبة، وأنه يحب على الحقيقة كما قال:{ُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ٧. وفيه أنه سبحانه يحب مقتضى أسمائه وصفاته، وما يوافقها فهو القوي، ويحب المؤمن القوي،،هو وتر يحب الوتر، وجميل يحب الجمال، وعليم يحب العلماء، ومحسن
١ سورة آل عمران آية: ١٦٨. ٢ سورة آل عمران آية: ١٥٤. ٣ سورة الطور آية: ٤٨. ٤ مسلم: القدر (٢٦٦٤) , وابن ماجه: المقدمة (٧٩) والزهد (٤١٦٨) , وأحمد (٢/٣٦٦ ,٢/٣٧٠) . ٥ مسلم: القدر (٢٦٦٤) , وابن ماجه: المقدمة (٧٩) والزهد (٤١٦٨) , وأحمد (٢/٣٦٦ ,٢/٣٧٠) . ٦ مسلم: القدر (٢٦٦٤) , وابن ماجه: المقدمة (٧٩) والزهد (٤١٦٨) , وأحمد (٢/٣٦٦ ,٢/٣٧٠) . ٧ سورة المائدة آية: ٥٤.