قرئ (حَرّم) على البناء للفاعل، وحُرِّم على البناء للمفعول، وحَرُم بوزن كرم أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أى رفع به الصوت للصنم، وذلك قول أهل الجاهلية: باسم اللات والعزى غَيْرَ باغٍ على مضطرّ آخر بالاستيثار عليه وَلا عادٍ سدّ الجوعة. فإن قلت: في الميتات ما يحل وهو السمك والجراد. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:«أحلت لنا ميتتان ودمان»«١» .؟ قلت: قصد ما يتفاهمه الناس ويتعارفونه في العادة. ألا ترى أنّ القائل إذا قال: أكل فلان ميتة، لم يسبق الوهم إلى السمك والجراد، كما لو قال: أكل دما، لم يسبق إلى الكبد والطحال. ولاعتبار العادة والتعارف قالوا: من حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لم يحنث- وإن أكل لحما في الحقيقة، قال اللَّه تعالى:(لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) وشبهوه بمن حلف لا يركب دابة فركب كافرا لم يحنث- وإن سماه اللَّه تعالى دابة في قوله:(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) . فإن قلت: فما له ذكر لحم الخنزير دون شحمه؟ قلت: لأنّ الشحم داخل في ذكر اللحم، لكونه تابعا له وصفة فيه، بدليل قولهم: لحم سمين، يريدون أنه شحيم.
فِي بُطُونِهِمْ ملء بطونهم. يقال: أكل فلان في بطنه، وأكل في بعض بطنه إِلَّا النَّارَ لأنه إذا أكل ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه، فكأنه أكل النار. ومنه قولهم: أكل فلان الدم، إذا أكل الدية التي هي بدل منه. قال:
أَكَلْتُ دَماً إنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضَرَّةٍ «٢»
(١) . أخرجه أحمد والشافعي. وابن ماجة والدارقطني من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما، (٢) . دمشق خذيها واعلمي أن ليلة … تمر بعودى نعشها ليلة القدر أكلت دما إن لم أرعك بضرة … بعيدة مهوى القرط طيبة النشر لأعرابى تزوج امرأة فلم توافقه، فقيل له: إن حمى دمشق سريعة في موت النساء، فحملها إليها وقال لها ذلك، ونزل دمشق- وهي مدينة بالشام- منزلة العاقل فناداها. والظاهر أن هذا التنزيل من باب الاستعارة المكنية والنداء تخييل، وكذلك الأمر بالعلم، والمرور: المشي، فاسناده لليلة مجاز عقلى من الاسناد للزمان، وهو في الحقيقة لحملة النعش، أو بمعنى المضي فهو حقيقة والباء للملابسة، وهو كناية عن موتها. والعودان: طرفا النعش. وجعل تلك الليلة كليلة القدر عنده لشدة ترقبها وتمنيها والتشوق إليها، ثم التفت إلى خطابها ودعا على نفسه بقوله: أكلت دما، أى دية، لأنها بدل الدم وأخذها عار عند العرب، لدلالتها على الجبن وحب المال دون الثأر. وإن لم أرعك: من راعه يروعه إذا أخافه. والمراد أنه يغيظها بتزوج ضرة عليها جميلة طويلة العنق. فبعد مهوى القرط: كناية عن ذلك. والقرط: حلى الأذن. ومهواه: مسقطه من المنكب. والنشر: الرائحة الطيبة. ويحتمل أنه دعا على نفسه بالجدب حتى يحتاج لفصد النوق وأكل دمها، وكذلك كانت تفعل الجاهلية في الجدب. ويحتمل أن المراد: شربت دما، فهو تعليق على الممتنع عنده دلالة على تحقيق التزوج، لأنه يرجع إلى أن عدم التزوج ممتنع كما أن شرب الدم ممتنع. ونظيره ما أنشده أبو إياس: أمالك عمر إنما أنت حية … إذا هي لم تقتل تعش آخر العمر ثلاثين حولا لا أرى منك راحة … لهنك في الدنيا لباقية العمر دمشق خذيها لا تفتك قليلة … تمر بعودى نعشها ليلة القدر فان أنفلت من عمر صعبة سالما … تكن من نساء الناس لي بيضة العقر ولعل «العمر» في القافية الأولى بمعنى الدهر. ولهنك هاؤه بدل من همزة إن عند البصريين، وعند غيرهم أصله: للَّه إنك. وبيضة العقر: زعموا أنها بيضة الديك لا يبيض في عمره غيرها. وقيل: هي مثل لما لا وجود له أصلا. فالمعنى: أنه يتزوج جميلة لا يتزوج غيرها، أو أنه لا يتزوج أصلا. وصعبة هي امرأته.