لما كانت مشاهدة الأشياء ورؤيتها طريقا إلى الإحاطة بها علما وصحة الخبر عنها، استعملوا «أرأيت» في معنى «أخبر» والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب، كأنه قال: أخبر أيضا بقصة هذا الكافر، واذكر حديثه عقيب حديث أولئك أَطَّلَعَ الْغَيْبَ من قولهم:
أطلع الجبل: إذا ارتقى إلى أعلاه وطلع «١» الثنية. قال جرير:
لاقيت مطّلع الجبال وعورا «٢»
ويقولون: مرّ مطلعا لذلك الأمر، أى عاليا له مالكا له، ولاختيار هذه الكلمة شأن، يقول:
أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار. والمعنى: أن ما ادعى أن يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الطريقين: إما علم الغيب، وإما عهد من عالم الغيب، فبأيهما توصل إلى ذلك؟ قرأ حمزة والكسائي: ولدا، وهو جمع ولد، كأسد في أسد. أو بمعنى الولد كالعرب في العرب. وعن يحيى بن يعمر: ولدا، بالكسر. وقيل في العهد:
كلمة الشهادة. وعن قتادة: هل له عمل صالح قدّمه فهو يرجو بذلك ما يقول؟ وعن الكلبي: هل عهد الله إليه أنه يؤتيه ذلك؟ عن الحسن رحمه الله: نزلت في الوليد بن المغيرة، والمشهور أنها في العاصي بن وائل. قال خباب بن الأرت: كان لي عليه دين فافتضيته، فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد. قلت: لا والله لا أكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين تبعث. قال: فإنى إذا مت بعثت؟ قلت: نعم. قال: إذا بعثت جئتني وسيكون لي ثم مال وولد فأعطيك «٣» . وقيل:
(١) . قوله «وطلع الثنية» في الصحاح «طلعت الجبل» بالكسر: علوته. (ع) (٢) . إنى إذا مضر علىّ تحدثت … لاقيت مطلع الجبال وعورا لجرير. ومضر: اسم قبيلة صرف للضرورة. ومطلع- بتشديد الطاء-: اسم مكان على صورة المفعول، من اطلع المشدد، وأصله: اطتلع، بتاء الافتعال، قلبت طاء وأدغمت فيها ما قبلها، وهو نصب على الظرفية. والوعور: جمع وعر، أى: صعب مفعول لاقيت، أو المفعول هو مطلع. ووعورا: حال، لا سيما على رواية فتح واوه على أنه صيغة مبالغة، يقول: إذا تقولت على مضر ما لا أرتضيه، أو تكلمت في قتلى، وجدت في مطالع الجبال أشياء صعابا فأعجز عن الهرب. أو المعنى: أنه يقتحم الصعاب ولا يبالى بها ويهرب منهم. وعلى الحالية: لاقيت مطلع الجبال حال كونه أماكن صعبة، والمطلع متعدد لإضافته لمتعدد، وعلى فتح الواو فظاهر. (٣) . متفق عليه من طريق مسروق عن خباب أتم منه. [.....]